تشير الحصيلة الاقتصادية للمغرب في سنة 2024 إلى تحسن نسبي مقارنة بالعام 2023، رغم التحديات التي واجهها الاقتصاد الوطني. فقد شهد الاقتصاد نموا إيجابيا في بعض القطاعات مثل صناعة السيارات والسياحة، حيث تم تسجيل زيادة ملحوظة في صادرات السيارات وتجاوزت عائدات السياحة حاجز 100 مليار درهم للسنة الثانية على التوالي. كما تم التحكم في التضخم، الذي انخفض إلى مستويات مقبولة، وعجز الميزانية الذي تم تقليصه إلى 4.4بالمئة. في هذا الحوار الذي خص به محمد جذري الخبير الإقتصادي "رسالة24" سيبرز لنا أهم المحطات التي مر بها الإقتصاد المغربي لسنة 2024. كيف تقيم الأداء الاقتصادي للمغرب خلال عام 2024 مقارنة بالأعوام السابقة؟ كان من المتوقع أن يحقق الاقتصاد الوطني نموا بنسبة 3.7 بالمئة خلال عام 2024، لكن الظروف المناخية الصعبة سيما الموسم الفلاحي الجاف حالت دون ذلك. هذا الجفاف، الذي يعد الأسوأ في تاريخ المغرب خلال أكثر من 25 سنة، باستثناء عام 2021 أثر بشكل كبير على القطاع الفلاحي الذي يعد محركا رئيسيا للاقتصاد. نتيجة لذلك، تراجع أداء الاقتصاد غير الفلاحي وقيدت قدرته على تحفيز النمو، مما أدى إلى تفاقم مشكلات البطالة التي وصلت إلى مستويات مقلقة بنسبة 13.6بالمئة. ورغم هذه التحديات، برزت بعض المؤشرات الإيجابية التي تعكس صمود الاقتصاد الوطني. فقد سجل معدل التضخم انخفاضا ملحوظا ليصل إلى مستوى يتراوح بين 1 و2 بالمئة مقارنة بمعدلات مرتفعة بلغت 6.6 بالمئة و6.1بالمئة خلال عامي 2022 و2023. كما شهد عجز الميزانية تحسنا ملموسا، حيث تم خفضه إلى 4.4بالمئة مع تطلعات لتحقيق نسبة أقل تصل إلى 3.5بالمئة بحلول عام 2026. ورغم هذه التحسينات، لا يمكن تجاهل الأثر السلبي الذي خلفته موجة الغلاء على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة الفئات ذات الدخل المحدود والطبقة المتوسطة. فقد أثرت هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية على حياة المواطنين بشكل مباشر ما زاد من التحديات اليومية للأسر المغربية. يمكن القول إن عام 2024 كان عاما معقدا للاقتصاد الوطني شهد مزيجا من التحديات الكبرى والإنجازات المحدودة وفي ظل هذه الظروف، يبقى الأمل معقودا على سياسات اقتصادية أكثر ديناميكية وفعالية لتعزيز النمو ودعم القطاعات الإنتاجية وتحسين مستوى العيش للمواطنين في المستقبل القريب. ما هي القطاعات التي شهدت نموا ملحوظا هذا العام؟ يشهد الاقتصاد الوطني المغربي تحولا نوعيا نحو تنويع موارده الاقتصادية وتقليل اعتماده على القطاع الفلاحي، الذي لا يزال مرهونا بالتقلبات المناخية في المقابل، أصبحت القطاعات غير الفلاحية أكثر استقرارا وتحكما، مما يعكس نضجا اقتصاديا وإستراتيجيا يضع المغرب في مصاف الدول ذات الاقتصاديات الصاعدة. فقطاع صناعة السيارات على سبيل المثال، يواصل تحقيق إنجازات استثنائية مع توقع تجاوز صادراته حاجز 150 مليار درهم هذا العام هذه الأرقام تعكس تطور البنية الصناعية للمملكة وقدرتها على المنافسة في الأسواق العالمية. أما قطاع السياحة، فقد أثبت مجددا قدرته على الصمود والنمو، حيث ستتخطى عائداته 100 مليار درهم للسنة الثانية على التوالي وهذا النمو يعكس نجاح السياسات السياحية واستقطاب الزوار من مختلف أنحاء العالم مع توقع أن يصل عدد السياح إلى 16 مليون زائر بنهاية هذا العام، ما يجعل تحقيق الهدف المرسوم لعام 2026 والبالغ 17.5 مليون سائح، قابلا للتحقق العام المقبل. كما أن الصناعات الاستخراجية والحرفية التقليدية تواصل دورها في تعزيز النمو الاقتصادي محافظة على توازن بين الابتكار والحفاظ على الهوية الثقافية للمغرب. كذلك يبرز قطاع الطيران كأحد المحركات الجديدة للاقتصاد حيث ستتجاوز صادراته أرقام معاملات تتراوح بين 40 و45 مليار درهم مما يعكس ريادة المملكة في هذه الصناعات المتقدمة. أما قطاع النسيج والجلود يشهد أيضا نموا مطردا، مدعوما بتحسين الجودة والابتكار، أما تحويلات مغاربة العالم، فقد تضاعفت بشكل لافت بين عامي 2019 و2024 ومن المتوقع أن تتجاوز 120 مليار درهم هذا العام مما يعزز دورها كرافد أساسي لدعم الاقتصاد الوطني وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، وبفضل هذه التطورات يمكن القول إن المغرب يسير بخطى واثقة نحو تعزيز موقعه كاقتصاد متعدد القطاعات ومرن يوازن بين الابتكار والاستدامة والتنمية الاجتماعية مع ترسيخ مكانته كوجهة صناعية وتجارية عالمية. كيف تأثر الاقتصاد المغربي بالتغيرات الاقتصادية العالمية في عام 2024؟ شهد الاقتصاد الوطني خلال عام 2024 تأثيرات واضحة لحالة عدم اليقين التي خيمت على الاقتصاد العالمي، لكن وطأة هذه التأثيرات كانت أقل حدة مقارنة بالعام الماضي. فعلى الصعيد الدولي، تراجعت حدة الموجة التضخمية، مما أتاح لبنك المغرب المجال تخفيض سعر الفائدة مرتين خلال اجتماعي يونيو وشتنبر في خطوة متوازنة تماشيا مع سياسات البنوك المركزية العالمية مثل الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي. كما أن أسعار المحروقات التي لطالما شكلت عاملا مؤثرا على الاقتصاد ظلت في مستويات معقولة تراوحت بين 80 و85 دولارا للبرميل، بالرغم من التوترات الجيوسياسية المتصاعدة كالحرب الروسية الأوكرانية والأزمات في غزة ولبنان وسوريا. كما أن أسعار المواد الأولية والطاقية ظلت مستقرة، مما ساهم في تخفيف الضغوط الخارجية على الاقتصاد الوطني. لكن التحديات الأبرز خلال هذا العام كانت داخلية بالأساس. فقد شكل الجفاف المستمر للسنوات الثلاث الأخيرة "2022-2023- 2024" ضغطا كبيرا على القطاع الفلاحي. على سبيل المثال فالإنتاج الوطني من الحبوب لم يتجاوز 32 مليون قنطار خلال هذا العام، وهو انخفاض كبير مقارنة بمتوسط الإنتاج المعتاد الذي كان يصل إلى 55 مليون قنطار. هذا الأداء الضعيف للقطاع الفلاحي كان له انعكاس مباشر على النمو الاقتصادي، خاصة في ظل الاعتماد التقليدي للمغرب على الزراعة كمحرك أساسي. ورغم استقرار العوامل الخارجية نسبيا. إلا أن التحديات الداخلية وعلى رأسها التأثيرات المناخية وتراجع الإنتاج الفلاحي، شكلت العائق الأكبر أمام تحقيق أداء اقتصادي أفضل خلال العام، ويتطلب هذا الواقع تعزيز الجهود نحو تنويع الاقتصاد الوطني وتطوير قطاعات أخرى أكثر استقرارا لمواجهة التأثيرات المتكررة للظروف المناخية والحد من تبعية النمو للاقتصاد الفلاحي. ما أبرز التحديات الاقتصادية التي واجهها المغرب خلال عام 2024؟ كانت سنة 2024 مليئة بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية، التي أثرت بشكل كبير على سيرورة تطور الاقتصاد الوطني، بدءا من عملية إعادة إعمار المناطق المتضررة من زلزال الحوز هذا الزلزال الذي وقع في نهاية السنة الماضية جعل من سنة 2024 سنة شاقة لرفع آثار الكارثة، حيث تم توجيه جهود كبيرة لدعم المتضررين، إلا أن عملية البناء والإعمار شهدت تأخيرات ملحوظة، مما يطرح تساؤلات حول كفاءة الإدارة والموارد المخصصة لهذه المهمة. من جانب آخر، كانت ورشة الحماية الاجتماعية من أبرز أولويات الحكومة في هذا العام، حيث تم تنفيذ المرحلة الثانية من هذا المشروع الضخم بما في ذلك الدعم الاجتماعي المباشر لأسر معينة هذا الدعم، الذي تراوحت قيمته بين 500 و1900 درهم من المتوقع أن يشمل حوالي 4 ملايين أسرة بحلول عام 2026، وهو ما يعكس التزام الدولة بتخفيف العبء على الأسر ذات الدخل المحدود. وكان الجفاف من أبرز التحديات التي أثرت بشكل ملحوظ على القطاع الفلاحي وأدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي، وهو ما تسبب في ضغط كبير على الاقتصاد الوطني بشكل عام. كما استمرت الحكومة في مواجهة التضخم من خلال إجراءات تهدف إلى استقرار الأسعار والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين وهو تحد آخر فرض نفسه في ظل الوضع الاقتصادي غير المستقر. ومن بين التحديات الاجتماعية، كانت الاحتجاجات المحلية جزءا مهما من المشهد في 2024، بدءا من احتجاجات الأساتذة وصولا إلى إضرابات طلبة الطب، هذا بالإضافة إلى الحوار الاجتماعي الذي أسفر عن زيادات مالية كبيرة في أجور موظفي القطاع العام تصل إلى 1000 درهم شهريا وكذلك زيادات في الحد الأدنى للأجور في القطاعات الفلاحية وغير الفلاحية كما تم إقرار قانون الإضراب بعد مصادقته من قبل مجلس النواب وهو ما يعكس استجابة الحكومة لمطالب النقابات والعمال. من جهة أخرى، تم إطلاق دعم السكن، حيث حصلت فئتان من الأسر على دعم يقدر بين 7 و10 ملايين سنتيم، وذلك للمساهمة في تمويل شقق اجتماعية واقتصادية، ما يساهم في تخفيف الضغط عن شريحة كبيرة من المواطنين. وعلى الرغم من هذه التحديات كان من أبرز الإنجازات الاقتصادية في سنة 2024 التحكم في التضخم ووصوله إلى مستويات مقبولة، بالإضافة إلى عجز الميزانية الذي تم الحد منه ما يعكس قدرة الحكومة على توجيه الاقتصاد الوطني نحو الاستقرار، وأيضا شهدت سنة 2024 تقدما ملحوظا في مشاريع المونديال التي أصبحت حقيقة على أرض الواقع، ما يعزز من مكانة المغرب كوجهة عالمية للفعاليات الرياضية الكبرى. بناء على هذه العوامل، يمكن القول إن 2024 كانت سنة مفصلية للاقتصاد الوطني، حيث تميزت بتحديات كبرى، لكنها كانت أيضا مليئة بالفرص والإصلاحات التي ستمهد الطريق لتحقيق استقرار اقتصادي واجتماعي في المستقبل القريب.