أوصت نتائج الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة، بأن يتجه البحث عن حلول للصعوبات والاكراهات التي يعاني منها المجتمع المدني نحو الاشتغال على استراتيجية لإصلاح متعدد الأبعاد، حيث أكد المشاركون في فعاليات هذا الحوار "أن ذلك لا يستقيم إلا ببناء الثقة بين المجتمع المدني وبين السلطات العمومية، والمجالس المنتخبة والمجتمع برمته. وشدد المشاركون في توصياتهم التي تم الإعلان عنها رسميا أول أمس الخميس بالرباط، في حفل احتضنه المسرح الوطني محمد الخامس، بحضور عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة، ورئيسي مجلسي النواب والمستشارين، وعدد من أعضاء الحكومة وممثلي الهيئة الدبلوماسية بالمغرب وممثلي عدد من المؤسسات الوطنية والهيآت المدنية، -شددوا- على ضرورة "إعداد مدونة للجمعيات تأخذ بعين الاعتبار المقتضيات الدستورية الجديدة و تحد من حالة تشتت القوانين المرتبطة بالحياة الجمعوية، خصوصا فيما يتعلق بمساطير التأسيس و الحل و منح صفة المنفعة العامة و ضبط التماس الإحسان العمومي و عمل المؤسسات و الدعم المالي ..الخ". كما أوصت نتائج اللقاءات التشاورية والندوات العلمية، التي نظمت على مدى سنة كاملة، وعرفت مشاركة 10 آلاف جمعية، وعدد كبير من الهيآت العمومية الوطنية والمنظمات الدولية المهتمة بتوسيع مجالات المشاركة المدنية وتنظيمها وتأهيلها، ب"تبسيط المساطير الإدارية لتأسيس الجمعيات"، وكذا ب"وجوب تعليل قرار رفض التأسيس و حل الجمعية مع تحديد أسباب واضحة ومحددة لا تخضع للعديد من التأويلات و منح الجمعيات حق اللجوء إلى القضاء الإداري للطعن في قرار الرفض". وطالبت الفعاليات المشارلكة في الحوار ب"ضمان الحماية القانونية والاجتماعية للفاعل الجمعوي"، وب"تعديل قانون منح صفة المنفعة العامة ليحترم مبدأ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة وتخويل تدبير منح صفة المنفعة إلى هيئة مختلطة تضم فعاليات مدنية." وفيما يخص الأدوار والحقوق الدستورية، كشف التقرير التركيبي الذي يضم مخرجات الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة، الذي تشرف عليه الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، وتديره اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة،- كشف- أن من بين المقترحات التي جاء بها هو "إعطاء الجمعيات الحق بمقتضيات قانونية لتقديم مقترحات تشريعية و الترافع عنها في البرلمان"، مع "تحديد تدخلات المجتمع المدني في ما يخص المساهمة في بلورة وتقييم السياسات العمومية خصوصا المحلية، وتمكين الجمعيات من حماية الحقوق المدنية أمام المحاكم بتنصيبها طرفا مدنيا في التقاضي. وفي ما يخص قانون العرائض والملتمسات، فقد اقترح التقرير، الذي تتوفر "رسالة الأمة" على نسخة منه، "تعيين إحداث هيئة مستقلة على المستوىين الوطني و المحلي لتلقي هذه العرائض والملتمسات مع تحديد مواضيعها وكذا المجالات المستثناة، والآجال المحددة للاستجابة لها اقصاها شهر على المستوى المركزي، هذا بالإضافة الى توفير الحماية القانونية للموقعين على العرائض. وشدد التقرير أيضا على ضرورة إحالة الملتمسات و العرائض للنواب البرلمانية على المستوى المحلي نظرا للقرب و العلاقة المباشرة مع تحديد صيغة قانونية لضمان تسليم البرلمان للملتمس و متابعة الإجراءات المتخذة من طرف البرلمان لتطبيق أو عدم تطبيق القانون مع التعليل. يذكر أن الحفل الختامي لفعاليات هذا الحوار، تميز بتكريم أعضاء لجنته الوطنية، المكونة من 61 عضوا يمثلون القطاعات الحكومية و المؤسسات الدستورية و فعاليات أكاديمية و جمعوية، هذا بالإضافة إلى سبعة خبراء مغاربة، حيث تم منحهم بهذه المناسبة أذرعا تذكارية، عربونا لعملهم بروح توافقية قائمة على الحوار البناء وإقامة جسور التواصل وتقريب وجهات النظر المتباينة مع ما يناهز عشرة ألاف جمعية، لأكثر من سنة من العمل. حيث تسلم بهذه المناسبة الدكتور الأخ حسن عبيابة، أحد أعضاء اللجنة البارزين، ذرعا تذكاريا، نظير تفانيه وإخلاصه على مدى سنة كاملة، من العمل الدؤوب والجاد، باعتباره أستاذا جامعيا، وفاعلا مدنيا في مجال الدراسات والأبحاث والتشخيص، حيث شغل في لجنة الحوار، مهمة منسق فريق ندواتها، هذه الأخيرة التي كانت مهمتها، تطوير النقاش العلمي وتبادل الخبرات الوطنية والدولية حول المحاور والانشغالات الكبرى للحوار الوطني. ومن التوصيات كذلك، التي جاء بها التقرير التركيبي ذاته، "ضرورة مضاعفة الدعم المقدم لصالح الجمعيات، في إطار الشفافية وتكافؤ الفرص، ونهج سياسة القرب"، وكذا "اعتماد معايير وآليات محددة للتتبع والتقييم ومراقبة صرف الدعم العمومي، لتمويل برامج الجمعيات"، بالإضافة إلى إلغاء منشور الوزير الأول 2003/07، وضبط الإطار القانوني المتعلق بتمويل الجمعيات وفق مستجدات الواقع الراهن، بما في ذلك العلاقة المالية بين الجمعيات والجماعات الترابية. كما دعا التقرير إلى اعتماد البرمجة المتعددة السنوات في إطار المقاربة الجديدة للبرنامج الحكومي، لانتقاء المشاريع من خلال تفعيل مبادئ الشفافية ومساواة الجمعيات أمام الولوج إلى الدعم العمومي، واشتراط توفر الكفاءة والخبرة، والحرص على نشر معايير منح الدعم العمومي، وتوفير المعلومات عن حجم الدعم العمومي وطرق صرفه. وبالنسبة لحكامة الجمعيات، شدد المشاركون في الحوار الوطني، على ضرورة الحرص على احترام المقتضيات القانونية المتعلقة بمراقبة الأموال العمومية خاصة ما يتعلق منها بالجمعيات، حيث أشاروا إلى أنه "في حالة امتلاك الجمعية لأي ممتلكات، ينبغي العمل على تقييمها وتسجيلها باسمها، مع الفصل بين ماليتها ومالية الأشخاص المسيرين لها،" فضلا عن نشر مبالغ الدعم التي تكون الجمعية قد حصلت عليها مع تحديد الجهات الداعمة وحجم الدعم الذي قدمته كل جهة. ودعا المشاركون إلى "وضع حدود واضحة بين العمل التطوعي والعمل المأجور داخل الجمعيات"، وقالوا إن ذلك "سيحد من حصول أعضاء الجمعية، مسيرين أو غير مسيرين، على تعويضات دون وجه حق أو من غير سند في القوانين الجاري بها العمل المتعلقة بالجمعيات." وخلص التقرير إلى أن جمعيات المجتمع المدني لها إرادة في تحقيق ذاتها في استقلالية تامة عن الفاعلين الآخرين، من دولة وأحزاب ونقابات، "وهو في منظور المشاركات والمشاركين في مختلف منتديات التشاور العمومي المنظمة في إطار الحوار الوطني، مطلب جوهري وتحد مركزي في مسار تأهيل الحركة الجمعوية في أفق ضمان مساهمة جيدة وفعالة وإرادية لها في مسلسل مأسسة وتنظيم مسالك الديمقراطية التشاركية"، يقول التقرير. هذا الأخير، اعترف بوجود عدد من الاشكاليات، من بينها "ضعف احترام القانون في تأسيس الجمعيات وما يرتبط بالضبط العمومي للحياة الجمعوية"، وكذا "ضعف شفافية الدعم العمومي والإنصاف وتكافؤ الفرص في المعاملات الإدارية مع مختلف أصناف الجمعيات، بما فيها الجمعيات ذات المنفعة العمومية؛ وضعف التحفيز الضريبي المفضي إلى تقاسم أعباء العمل الجمعوي بين الدولة والمجتمع"، بالإضافة إلى "غياب إطار قانوني يعترف بالتطوع والتأهيل المؤسساتي وتكوين الموارد البشرية وتنمية شروط التشبيك بين الجمعيات".