اختتمت مناظرة الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة المنعقدة، الجمعة والسبت الماضيين بالرباط، الذي دام سنة كاملة ونظمت اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني خلال هذه السنة سلسلة من اللقاءات التشاورية والندوات العلمية، بمشاركة ما يناهز 10 آلاف جمعية ومختلف الهيئات العمومية الوطنية والمنظمات الدولية المهتمة بتوسيع مجالات المشاركة المدنية وتنظيمها وتأهيلها. وأفاد تقرير للجنة الوطنية، قدم خلال المناظرة، التي نظمتها اللجنة الوطنية المشرفة على إدارة الحوار، أن هذه اللقاءات خصصت للإنصات وتبادل الأفكار والتجارب بشأن تفعيل محتويات هذه المشاركة في الحياة العامة، عبر أرضيات قانونية، كفيلة بتفعيل ما نصت عليه الوثيقة الدستورية. وخلصت نتائج الحوار الوطني إلى ثلاثة ملامح كبرى، تتمثل في إرادة جمعيات المجتمع المدني في تحقيق ذاتها، في استقلالية تامة عن الفاعلين الآخرين، من دولة وأحزاب ونقابات، وهو مطلب جوهري وتحد مركزي في مسار تأهيل الحركة الجمعوية، في أفق ضمان مساهمة جيدة وفعالة في مسلسل مأسسة وتنظيم مسالك الديمقراطية التشاركية، كما أقرها الدستور، الأمر الذي يستلزم معالجة أربع إشكاليات كبرى، حسب اللجنة الوطنية، تهم ضعف احترام القانون في تأسيس الجمعيات، وما يرتبط بالضبط العمومي للحياة الجمعوية، وإشكالية ضعف شفافية الدعم العمومي والإنصاف وتكافؤ الفرص في المعاملات الإدارية مع مختلف أصناف الجمعيات، بما فيها الجمعيات ذات المنفعة العمومية، وضعف التحفيز الضريبي، المفضي إلى تقاسم أعباء العمل الجمعوي بين الدولة والمجتمع، وإشكالية غياب إطار قانوني يعترف بالتطوع والتأهيل المؤسساتي وتكوين الموارد البشرية وتنمية شروط التشبيك بين الجمعيات، وإشكالية الديمقراطية الداخلية للجمعيات وملاءمة ممارساتها الإدارية والمالية لقواعد الشفافية والمراقبة والمحاسبة. واعتبارا لتعقد وصعوبة الإجابة القانونية عن هذه الإشكاليات الأربع، ترى اللجنة الوطنية أن الأرضية القانونية المقترحة كإطار تنظيمي للحياة الجمعوية تعتمد في مقدماتها ثلاث مقولات أساسية، تهم تعزيز حرية الممارسة الجمعوية كشكل من أشكال المشاركة المدنية في الحياة العامة، وتعزيز حق الجمعيات في الولوج لمختلف أنواع الدعم العمومي، وتعزيز الحكامة الجيدة وربط ممارسة هذه الحرية، وهذا الحق بالمسؤولية والمحاسبة، وتفعيل المشاركة المدنية المنصوص عليها في الدستور، عبر أرضيات قانونية عملية للمخرجات الخاصة بالملتمسات والعرائض والتشاور العمومي، غير قائمة على تضخم مقصود للحقوق. كما اقترح ميثاق وطني للديمقراطية التشاركية، يزاوج بين الالتزام الأخلاقي والسياسي بمنظور دستوري وبإقرار بما هو دولي متعارف عليه. واعتبرت اللجنة هذا الميثاق "إبداعا ممكن التحقق لنموذج مغربي للديمقراطية التشاركية، بنظام دينامي يتحقق أداؤه المثالي بدرجة قدرته على إنتاج تعاون بناء، من أجل تنمية بشرية مستدامة، توازن بين الخلفيات الثقافية لمسالك التضامن، والتكافل، والتطوع الاجتماعي، كما وقع تطويرها في مختلف مراحل التطور التاريخي للأمة المغربية، عبر رصيدها الحضاري العريق، وبين التجارب الوطنية والدولية المعاصرة للحكامة الجيدة، وديمقراطية القرب، والحق في التنمية، والمشاركة المواطنة الفاعلة، وتوسيع سلطة الفاعلين الترابيين في مجالات التنمية المحلية". وأشار التقرير إلى أن اللجنة الوطنية عملت على تنظيم المقترحات المنبثقة عن هذا المسلسل التشاوري، في إطار ثلاثة مخرجات أساسية، تتمثل في الأرضيات القانونية الخاصة بالملتمسات والعرائض والتشاور العمومي، والأرضية القانونية للحياة الجمعوية، والميثاق الوطني للديمقراطية التشاركية. وللاستماع لأكبر عدد من الآراء واحتياجات الراغبين في المشاركة في الحوار الوطني، حسب تقرير اللجنة الوطنية للحوار، نظم 18 لقاء جهويا، شارك فيها ما يفوق 7 آلاف جمعية محلية ووطنية، وتخصيص جهتي سوس ماسة درعة، وتازة الحسيمة تاونات بلقاءين جهويين، نظرا لشساعتهما المجالية، فضلا عن تنظيم أكثر من 10 لقاءات إقليمية موازية نظمت بمبادرة من الجمعيات المحلية بكل من تطوان، وكرسيف، وامزميز، والعيون، وبوجدور، وطنجة، والداخلة، والصويرة، وآسفي، وتارودانت، والسمارة، أشرف على تأطيرها أعضاء من اللجنة الوطنية للحوار الوطني، وثلاثة لقاءات مع الجمعيات المغربية النشيطة بالخارج في كل من ليون وباريس وبروكسيل، ولقاء رابع بالدارالبيضاء حضرها أزيد من 500 جمعية. وأشار التقرير إلى استقبال مذكرات تفصيلية من طرف أكثر من 140 جمعية، تضمنت تصوراتها لتطوير التشريعات، التي تؤطر عمل منظمات المجتمع المدني ومسالك تفعيل جيد للمقتضيات الدستورية للديمقراطية التشاركية. كما جرى الاستماع إلى وجهات نظر العديد من القطاعات الحكومية، والمؤسسات العمومية ذات العلاقة بموضوع المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية، وتنسيق عدد من الأنشطة العلمية مع مؤسسات جامعية وجمعيات علمية.