وأخيرا انطلقت الدورة الربيعية للبرلمان بعد جدل كان قد رافق انتخاب رئاسة مجلس النواب وواكب وضعية بعض الفرق النيابية بالمجلس إضافة إلى تجديد واستكمال هياكله بدءا من الرئاسة والمكتب، تفعيلا للمادة ال 62 من الدستور التي تلزم بانتخاب رئيس للمجلس عند دورة أبريل لما تبقى من الولاية التشريعية، إضافة إلى تشكيل مكتب المجلس وإعادة هيكلة بعض اللجان الدائمة ورئاسة الفرق النيابية ونواب الرئيس بشأن تسيير شؤونه خلال هذه الدورة التي تدشن النصف الثاني من الولاية التشريعية التاسعة 2011 - 2016، في ظل النظام الداخلي الجديد لمجلس النواب، بعد المرحلة الانتقالية التي عاشتها الدورة الخريفية السابقة. إن أجندة مجلس النواب ستكون ولاشك على محك المتابعة سواء على المستوى التشريعي بخصوص استكمال الالتزامات الحكومية أو على مستوى الدور الرقابي للبرلمان في ضوء الملفات المتعلقة بحكامة تدبير الشأن العام. والرهانات كذلك ستكون متعددة خلال هذه الدورة الجديدة، وذلك في ظل استمرار الجدل بشأن بعض النقط الخلافية بين الحكومة والمعارضة والتي من أهمها ما تعلق بالبث التلفزي لطلبات الإحاطة بالغرفة الثانية التي كان رئيس الحكومة قد أصدر قرارا بعدم بثها تلفزيا بزعم أنها "غير مطابقة للدستور". فما هو منتظر من الدورة الجديدة هو استكمال الحكومة ل " مخططها التشريعي" الذي كانت قد اعلنت عنه، خاصة وأن إيقاع عملها بشأن تنفيذ جميع الالتزامات على مستوى التشريع تميز بالبطء والتعثر والارتجال والإنتظارية حتى الآن، مما يجعل حاجة الحكومة إلى مزيد من الوقت لتحضير مشاريع القوانين مجرد مبرر غير مقنع ومثارا للشك حتى يظهر العكس. . إن عدد مشاريع القوانين التي كان من المفروض أن يصادق عليها البرلمان لا زالت في قاعة الانتظار كمشروع القانون التنظيمي للمالية، ومشروع قانون اللجان النيابية لتقصي الحقائق، ومشروع قانون المحكمة الدستورية، ومشروع القانون التنظيمي للأمازيغية ومشروع القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، لما لذلك من مساهمة كبيرة في ضمان استقلال السلطة القضائية ومشروع القانون المنظم لوضعية القضاة، بالنظر لدور العدالة في تكريس دولة الحق والقانون،. وهي كلها مشاريع قوانين تكتسي "قيمة كبرى" في إطار تنزيل مقتضيات الدستور وتفعيلها وترجمتها على أرض الواقع، لاستكمال أركان وقواعد دولة الحق والقانون والمؤسسات، إلا أن الحكومة أخلفت وعودها وعهودها، وتبين للمراقبين أنها غير جادة فعلا في تنفيذ التزاماتها مما يجعل الإعلان عن قرب "إحالة" مشاريع القوانين المتعلقة بالحوار الوطني حول المجتمع المدني، هو الآخر مجر ذر للرماد في العيون. فلا يمكن الحديث عن دورة وازنة ومؤسسة والحال يؤكد عكس ذلك، خاصة وأن حصيلة الدورة الماضية لعمل الحكومة في مجال تقديم مشاريع القوانين للبرلمان أو في إطار التعامل مع ملاحظات المعارضة وانتقاداتها ومقترحاتها التشريعية، كشفت بلا جدال عن ارتجاليتها وتخبطها وبطئها في التعاطي مع الملفات والقضايا المتعلقة بالتشريع أو في التعاون مع المؤسسة البرلمانية، وإمعانها على ذلك في التضييق على المؤسسة التشريعية وإضعاف دورها وعرقلة مهامها الدستورية والتشريعية والرقابية. إن ما هو مطلوب هو أن تفرج الحكومة عن أولوياتها، بعدما لم تعد تتكلم عن "برنامج حكومي" متكامل خاصة بعد مرور نصف الولاية التشريعية، و يتعين على رئيس الحكومة تقديم حصيلة عمل حكومته خلال هذه المدة ليكشف عما تحقق بالفعل وينكسر الصمت الحكومي خاصة في ظل تزايد الرهانات، وتنامي التحديات. فإذا كان البرلمان مدعوا لاتخاذ إجراءات مهمة ذات طابع اجتماعي واقتصادي بما يمكن من تحريك عجلة الاقتصاد، فإن الحكومة مطالبة باحترام مقتضيات الدستور الخاصة بفصل السلط وعدم تداخل الاختصاصات والبعد عن سياسة الهيمنة والتسلط والتحكم في المؤسسة التشريعية وإفراغها من مضمونها الدستوري والتشريعي والرقابي وتحويلها إلى جهاز تابع للسلطة التنفيذية، وهو ما يتعارض أساسا مع قواعد الديمقراطية والشفافية ودولة المؤسسات.