« المغرب ملتزم بالشرعية الدولية ويعمل على تفعيل آليات مراقبة حقوق الإنسان على كافة ترابه الوطني، وهي آليات متعارف عليها دوليا، ويتفاعل معها المجلس الوطني لحقوق الإنسان من خلال متابعته لإجراءات تنفيذ التوصيات المنبثقة عن تقاريره.» في اطار التواصل المستمر القائم بين جريدة رسالة الامة ومختلف الفعاليات الجمعوية والمدنية المغربية المتواجدة بالخارج، جمعنا لقاء بالسيدة فاطمة بلعربي فاعلة حقوقية بفرنسا حيث اجرينا معها الحوار التالي : - السيدة فاطمة بلعربي، تطرح مرة أخرى على الواجهة السياسية والدبلوماسية المغربية مسألة محاولة توسيع مهمة بعثة المينورسو الأممية لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء المغربية، فما هو رأيكم في هذه المسألة ؟ -أولا، إنها بالنسبة لي فرصة للتذكير بالإجماع الوطني وبالموقف الثابت لبلادنا بخصوص قضيتنا الوطنية الأولى المتعلقة بأقاليمنا الجنوبية المحررة. وثانيا، في إطار هذا الإجماع الوطني القائم، سبق لي أن أعلنت كسائر الفاعلين الحقوقيين ببلادنا عن الرفض القاطع للمبادرات التي سعت دون نجاح إلى تغيير طبيعة مهمة "المينورسو" في المنطقة، بحيث في الوقت الذي يبذل المغرب جهوده في سبيل النهوض بحقوق الإنسان على كافة ترابه الوطني٬ بما فيه الأقاليم الجنوبية٬ وتحظى جهوده تلك بإشادة المجتمع الدولي والعديد من الشركاء الدوليين، اتضح لنا أن إطلاق هذا النوع من المبادرات هو أمر من شأنه أن يخلق انشغالا كبيرا بخصوص انعكاسات مثل هذه المقاربة على مسلسل المفاوضات الجارية بين أطراف هذا النزاع المفتعل٬ كما من شأنه أن يجعل حدا بشكل متعمد لمنهجية التوافق التي طبعت لحد الآن مسلسل البحث عن حل سياسي عادل ودائم ومقبول لهذا النزاع الإقليمي الذي طال أمده٬ وذلك على أساس من الواقعية وروح التوافق التي يدعو إليها مجلس الأمن منذ أمد بعيد. وقد لاحظنا مثل غيرنا أنه منذ تقديم المملكة المغربية للمبادرة الخاصة بالتفاوض حول منح حكم ذاتي لجهة الصحراء٬ يتم توظيف مسألة حقوق الإنسان بشكل ممنهج من قبل أطراف النزاع الأخرى٬ في محاولة منها لإخراج مسلسل التفاوض عن مساره٬ واستغلال ذلك كمبرر لعدم الانخراط بشكل جدي وبنية حسنة في البحث عن حل سياسي، مع أن المغرب - بشهادة العديد من المختصين في شؤون حقوق الإنسان عبر العالم - اتخد إجراءات إرادية من أجل النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها على كافة ترابه. وفي هذا الإطار سعى إلى تعزيز استقلالية الآليات الوطنية لحقوق الإنسان وتوسيع دائرة انفتاحه على الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة٬ مستجيبا بذلك لانتظارات المجتمع الدولي. -إلى أي حد يمكن اعتبار ورقة مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء ورقة ضغط مفروضة على المغرب من طرف خصوم وحدته الترابية من أجل التشويش على مسلسل التفاوض القائم معهم تحت إشراف المبعوث الأممي وإخراج هذا المسلسل عن مساره ؟ - ليس هناك من مغربي قح يقبل بتوسیع صلاحیات بعثة المینورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء المغربية، لا سيما وأن بعثة المینورسو كلفت عند تأسیسھا بمهمة العمل على تنظيم الاستفتاء في الصحراء المغربية ومراقبة وقف إطلاق النار، ولم يكن المقصود من تأسيسها مراقبة حقوق الانسان. والشعب المغربي لن یوافق على مثل هذه المقترحات لأنھ موجود على أرضھ، والصحراء المغربية لیست منطقة محایدة حالیا، وأي مراقبة لحقوق الإنسان من طرف كيان خارجي سواء كانت في طنجة أو في العیون أو لكويرة أو غيرها من ربوع الوطن سیجعل الأمر یبدو كما لو أن المنطقة المعنية خارجة عن إطار السيادة المغربية. وفيما يخص الشق الحقوقي، فالمغرب الیوم، وباعتراف المجتمع الدولي، أصبح یتوفر أكثر من أي دولة عربیة على عدة مراكز لمراقبة حقوق الإنسان، مما يستوجب احترام سیادة الدولة المغربية على كافة ترابها الوطني. وإنني لأعتبر المناداة بفرض مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء المغربية من قبل المینورسو انتھاكا لسیادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وأشك في كون المینورسو قادرة على مراقبة حقوق الإنسان لا سيما وأن هناك أكثر من 16 بعثة أممیة لمراقبة وقف إطلاق النار حول العالم لا تشمل مھامھا مراقبة حقوق الإنسان، فلا أدري لماذا یراد للمغرب أن یكون الاستثناء ؟ مع أن المغرب قد حقق في المجال الحقوقي حيزا یفوق ماهو موجود في الدول العربیة الأخرى كلبنان ومصر ودول الخليج... والمغاربة متحفظون اليوم على أنشطة بعض الجمعيات مثل الجمعیة المغربیة لحقوق الإنسان التي عبرت عن عدم انزعاجها من مسألة توسیع مھام المینورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء، كما أنهم متحفظون على مصادر تمویل هذه الجمعیة التي غالبا ما تتفقد معتقلي أحداث اكدیم إزیك الذین تورطوا في جرائم قتل أفراد من قوات الأمن، لكنھا بالمقابل لم ترسل لحد الآن نشطاءها إلى أسر الضحایا للاطمئنان على أحوالهم، ونرى أنها تهمها حیاة القتلة بالسجن أكثر مما تهمها كرامة ومشاعر عائلات وأهالي الضحایا. أهو استفزاز للشعب المغربي أم هو سعي من طرف جمعية منحازة إلى تصفية حساباتھا مع بعض الفرقاء السياسيين المغاربة من خلال ملف الصحراء ؟ أقول هذا لأخلص إلى التذكير بأن مهمة بعثة المينورسو في الصحراء أضحت منذ التوقف الاضطراري لمسلسل تحديد الهوية بسبب تأكد عدم إمكانية تحقيقه، تقتصر على مراقبة وقف إطلاق النار، وبالتالي لا يمكن توسيع مهمتها لتشمل جوانب أخرى. ومن حق المغرب أن يرفض كل تدخل أجنبي على شكل آلية أو إجراء يمس مصلحته العليا المتمثلة في الحفاظ على وحدته الترابية والوطنية. - إلى أي مدى تمتد الجهود التي قام أو يقوم بها المغرب في مجال مراقبة حقوق الإنسان عبر ترابه الوطني ؟ - المغرب يتفاعل مع توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومع المواثيق الدولية، من خلال التجاوب معها وتنفيذها، والانخراط في الآليات الأممية لمراقبة حقوق الإنسان، وقبول نظام المراقبة التي تقوم بها هيئات المعاهدات، باعتبار أن هذا التفاعل هو اختيار استراتيجي مبني على تفاعل طبيعي متواصل. وبخصوص الإصلاحات في مجال حقوق الإنسان، فإن المغرب يباشرها من خلال الالتزام الوطني بتنفيذ مجموعة من التوصيات الصادرة عبر تقارير المجلس الوطني لحقوق الإنسان وتقارير المجالس الإقليمية التابعة له، كما أن الإصلاحات التي أدخلت على المنظومة الجنائية روعيت فيها مجموعة من التوصيات الصادرة عن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في العهد الدولي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية، ولجنة مناهضة التعذيب. وقد عمل المغرب على إنشاء آلية للتنسيق في هذا الباب، وهي المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان. وبخصوص قضيّة الدعوة إلى توسيع مهمة المينورسو في الصحراء لتشمل مجال مراقبة حقوق الإنسان، اختار المغرب التفاعل مع جميع آليات الأممالمتحدة لحقوق الإنسان المستقلة والدائمة. وخارج هذه الآليات لا يمكن التحدث عن آليات محايدة، فالمغرب ملتزم بالشرعية الدولية، وملتزم بهذه الآليات المتعارف عليها، ولا يتفاعل معها فقط من خلال تقديم تقارير في المجال الحقوقي، بل أيضا من خلال متابعة تنفيذ التوصيات الصادرة عبر تلك التقارير ومن خلال تمكين الآليات والبعثات الأممية والدولية من القيام بزيارات متواصلة إلى المغرب، للوقوف على ما تمّ إنجازه من التوصيات. من ناحية أخرى، نرى أن التقارير الدولية حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب لا تتضمن كلها إلا الانتقادات في حق بلادنا، بل إنها تسجل أيضا ذلك التقدم المحرز الذي يسجله المغرب في مجال حقوق الإنسان، وكذا العمل الذي يقوم به لتجاوز السلبيات التي تشير إليها تلك التقارير التي من الواجب على المسؤولين المغاربة أن يقوموا بنشرها على نطاق واسع، على مستوى البرلمان، وعن طريق اللجان المعنية. وأخيرا، وجب التذكير هنا بأن مرجعية دستور2011 في مجال حقوق الإنسان هي من خلاصة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. - سوف يصدر مجلس الأمن في الثالث والعشرين من الشهر الجاري تقريره السنويالذي جرت العادة أن يجري بموجبه تمديد ولاية بعثة المينورسو في المنطقة، فهل تتوقعون أن يحدث التقرير المنتظرتغييرا على مستوى المجرى الذي يعرفه ملف الصحراء المغربية حاليا ؟ - المغرب له حقه الكامل في ممارسة سيادته على جميع أجزاء ترابه الوطني وفي الحفاظ على وحدته الترابية والوطنية متماسكة، مثله في ذلك مثل سائر البلدان الأعضاء في المنتظم الأممي والدولي. ونرى أن التطورات الحالية تفرض على المغرب اعتماد مدخلين أساسيين في تعاطيه مع ملف الوحدة الترابية، الأول داخلي يروم إلى تعزيز الممارسة الديمقراطية وما تقتضيه من دعم للمشاركة السياسية لأطر وساكنة الأقاليم الصحراوية المحررة، وتعزيز حقوق الإنسان بالمنطقة وتحصين المكتسبات الحاصلة في هذا الشأن، وبلورة تنمية منفتحة كفيلة بتجاوز مظاهر الريع الاقتصادي وتجاوز منطق الامتيازات الذي ساد لسنوات كما جاء في تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي خلال إعداده للورقة التأطيرية لتنمية الأقاليم الصحراوية المغربية، بما يسهم في تجاوز الإكراهات الاجتماعية المطروحة، ويقطع الطريق على أية محاولات خارجية لتسييس ملف حقوق الإنسان. والمدخل الخارجي الذي على المغرب أن يعتمده في تعاطيه مع ملف الصحراء يتعلق بضرورة بلورة دبلوماسية موازية منفتحة على مختلف الفعاليات الرسمية وغير الرسمية بما في ذلك البرلمان بغرفتيه والنسيج المدني والجمعوي، مما يمكن من مخاطبة مختلف القوى والمؤسسات الدولية بلغة المصالح والواقعية. المدخل الخارجي المذكور والذي يمكن للمغرب اعتماده في تعاطيه مع ملف الوحدة الترابية يستوجب الأخذ بعين الاعتبار أن للمغرب أوراقا كثيرة تتقاطع مع أجندات الإدارة الأمريكية والدول المؤثرة في ملف الصحراء وعلى رأسها الدول المشكلة لمجموعة أصدقاء الصحراء، وهي الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا وروسيا وبريطانيا واسبانيا، وقد يكون مفيدا للمغرب استعمال هذه الورقة في مقاربة بمنطق الربح المتبادل. اعتماد المغرب لهذين المدخلين الأساسيين سوف تؤيده مجهوداته في مجال حقوق الانسان، فضلا عن روابطه التاريخية مع أمريكا والمصالح الاقتصادية المشتركة بينهما والتي تتجاوز تجاذبات المشهد السياسي المغربي - الجزائري والتناوبات السياسية في الإدارة الأمريكية التي - حسب تقارير دبلوماسية - تسعى إلى تشكيل مفتاح لحل ملف الصحراء في علاقته مع مستجدات أخطار الإرهاب في منطقة الساحل وجنوب الصحراء، والحل المنشود هذا يأخد بعين الاعتبار أكثر من معطى جديد في معادلة قديمة. وسيبقى الأمر في دائرة المفاوضات ولن يتجاوزه إلى الاعلان عن قطيعة بين المغرب وأطراف الصراع الإقليمية (الجزائر البوليساريو أساسا) مادامت القرارات الأممية توصي هذه الأطراف بالسعي إلى إيجاد حل سياسي توافقي بشأن ملف الصحراء في إطار مساعي الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي في المنطقة. إلا أنني أرى أن المفاوضات في شكلھا الحالي لن تأتي بنتائج إن بقیت على حالھا، حتى لو انتظرنا 10 سنوات أخرى، مع أن المغرب قد طرح مقترح الحكم الذاتي الذي یقول عنھ الكل بأنھ مقترح جدي وذو مصداقية وأقرب إلى الواقع والمنطق التفاوضي، بینما الجانب الآخر لم یطرح أي مقترح بديل . فالحرب الإعلامية والدعائية ضد المغرب من طرف الجزائر وصنيعتها البوليساريو لم تنته بعد، ولهذا نرى أن بلادنا مدعوة إلى إعادة النظر في استراتيجيتها الإعلامية من أجل كسب المزيد من تعاطف الرأي العام الدولي مع شرعية قضيتنا الوطنية، ودرء الدعاية التي تقوم بها الجزائر والبوليساريو في محاولة منهما للنيل من سمعة المغرب وخاصة في ما يتعلق بمسألة حقوق الإنسان. هذا يدعو القوى الحية المغربية إلى السعي المكثف إلى توخي المزيد من فرص التعريف بالموقف المغربي وتوضيح الرؤية للرأي العام الدولي. ففي الوقت الذي تقوم فيه الدبلوماسية المغربية وعلى رأسها الدبلوماسية الملكية بواجباتها، وآخرها حلول جلالة الملك محمد السادس نهاية الأسبوع الماضي بمدينة الداخلة وذلك قبل يوم واحد من شروع مجلس الأمن في مناقشة تقرير بان كي مون الجديد حول نزاع الصحراء بغرض تمديد ولاية المينورسو لسنة أخرى، ويرى المراقبون في تلك الزيارة خطوة ملكية تعبر عن رغبة القصر في الإشراف عن قرب على شؤون الصحراء) وتسعى جاهدة إلى الدفاع عن موقف المغرب على المستوى الرسمي سواء على الصعيد الثنائي أو المتعدد الأطراف، ينبغي أيضا أن يكون للدبلوماسية الموازية، البرلمانية، المدنية والجمعوية، دور تكميلي من خلال ربط علاقات تواصل مع أطراف نظيرة لها في دول أخرى، خاصةً منها الدول التي يعاني فيها المغرب من عجز نسبي على مستوى تعريف الرأي العام بشرعية قضيته، حيث إن المواقف الدولية الرسمية الداعمة للموقف المغربي تظلّ هشة في غياب دبلوماسية موازية فاعلة بإمكانها أن تخاطب المجتمع المدني والنخب السياسية والاقتصادية والمثقفة ووسائل الإعلام في شتى أنحاء العالم من أجل التنديد بالضغوطات والمساومات التي تمارسها السلطات الجزائرية و صنيعتها البوليساريو على الأشخاص المحتجزين بمخيمات تيندوف التي يصفها العائدون إلى أرض الوطن بمثابة سجن كبير. وإنني لأؤكد بهذه المناسبة ضم صوتي إلى أصوات المنظمات الحقوقية والانسانية التي تتهم السلطات الجزائرية والبوليساريو باستعمال المغاربة المحتجزين في مخيمات تيندوف كرهائن توظفهم كورقة سياسية في ملف تنازع به المغرب أقاليمه الجنوبية، وكوسيلة تبتز بها المساعدات الإنسانية الدولية للاستحواذ عليها. هذا في الوقت الذي يظل المغرب - التزاما منه بالشرعية الدولية - يواصل التعاون التام الصادق والصريح مع الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي من أجل إيجاد حل سياسي ونهائي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل، على أساس مبادرة الحكم الذاتي لتمكين سكان الأقاليم الجنوبية المغربية من تسيير شؤونهم بأنفسهم في إطار ديمقراطي حر ومسؤول وكفيل بمراعاة سيادة المغرب على تلك الأقاليم كغيرها من بقية أرجاء التراب المغربي من طنجة إلى لكويرة.