لم تجد الاتصالات المكثفة التي أجرتها الحكومة مع المسؤولين الأوروبيين المعتمدين بالرباط والتي عكست إلى حد بعيد مخاوفها وتحذيراتها ، من مغبة تقرير إجراءات بشكل أحادي تهدد قطاع الفواكه والخضر ، الآذان الصاغية لدى هيئات الاتحاد الأوروبي التي أشرت على التصرف التفويضي الذي اعتمدته لجنة الفلاحة بالبرلمان الأوروبي بداية الشهر الجاري، دون أدنى اكتراث بنتائجه الكارثية على القطاع الفلاحي الذي يعد قطاعا رئيسيا في المبادلات التجارية بين المغرب والإتحاد الأوروبي. قرار اعتبره المهنيون المغاربة إجراء مخالفا لاتفاقية الشراكة التي تربط المغرب والاتحاد الأوروبي، وقواعد منظمة التجارة العالمية، وحتى تلك المنظمة لجمارك المجموعة الأوروبية، بحيث سيفرض قيودا على طرق التعشير على المنتوجات الفلاحية المغربية عند دخولها السوق الأوروبية ، وبالتالي سيؤدي إلى انخفاض « حاد » للصادرات المغربية وانكماش جميع مكونات قطاعها. كما لم يحل تلويح الحكومة المغربية بورقة الصيد البحري ، دون إقرار الاتحاد الأوروبي يوم الإثنين الأخير ، وبشكل رسمي لإجراءات إصلاح التنظيم المشترك لأسواق دول الإتحاد ال 27 للأسواق، والذي يشمل تعديلات بنظام أسعار ولوج الفواكه والخضر المغربية للأسواق الأوروبية، والتي ستعرض أكثر من 100 ألف طن من الطماطم المغربية لخطر الكساد مع كل الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة المحتملة لهذا الأمر، إن لم يكن الانهيار بسبب صرامة نظام التصدير الذي يحكمها. والحالة هذه، فإن تعليق انعقاد اللجنة المشتركة المغربية الأوروبية بخصوص اتفاقية الصيد البحري مطروح إلى حين مصادقة السلطات المعنية على مقتضياتها ،حسب ما فاهت به زكية دريوش الكاتبة العامة للصيد البحري، بيد أن هذا لا يعفي المغرب من إعادة النظر في اتفاقيات التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي، لأن هناك عجزا كبيرا بين الصادرات والواردات، كما أن الاستثمارات في القطاع الفلاحي التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي في المغرب تضر البيئة والفرشة المائية ، حسب ما جاء في تصريح محمد الهاكش رئيس الجمعة الوطنية للفلاحين في المغرب لبعض الصحافة ، والذي أشار في معرضه إلى أن هذا القرار سيوجه ضربة قاضية لفلاحة التصديرلأنها أصلا تعاني من أزمة مالية ومن تراجع الطلب. ولعل هذا ما خلص إليه بمرارة، وزير الفلاحة عزيز أخنوش في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، بقوله إننا " لا نجرؤ حتى على تصور الانعكاسات على قطاع مغربي وفاعلين استثمروا وراهنوا على آفاق حقيقية في ظل شراكة مهمة مع الاتحاد الأوروبي باتت معرضة للتقويض " . الأمر الذي سيضع مخطط المغرب الأخضر موضع تقييم ،لأنه لم يستطع أن يحمي الفلاحين المغاربة الموضوعين اليوم بين مطرقة تراجع الطلب الخارجي للأسواق الأوربية وسندان إنتاج يفوق طلب السوق الداخلية ، وهذا خارج ما يعرفه قطاع الفلاحة من مشاكل عديدة ، والتي تتمثل حسب بعض التقارير ، في نظام التسويق وتعقيدات الانظمة العقارية وتوحل السدود ، وغياب التأطير وتهالك التجهيزات الهيدروفلاحية، وانعدام الشفافية في تعامل المكاتب الجهوية والتي كانت محط تقرير المجلس الأعلى للحسابات. وهذا ،فضلا عن بعض الانتقادات الموجهة لمخطط المغرب الأخضر الذي يسير بوتيرتين قطاع تقليدي متروك لحاله وقطاع عصري محظوظ تقنيا وماليا، وخارج ارتباط الفلاحة البنيوي بالتساقطات المطرية والذي يضعها في مجرى جارف من التقلبات تنعكس على الإنتاج والقيمة المضافة. وكون المغرب يستورد أكثر مما يصدر ، كما يشهد على ذلك ميزانه التجاري الفلاحي الذي يسجل عجزا متفاقما ،بلغ 19 مليار درهم سنة 2010،حسب بعض الإحصاءات الرسمية ،فقد انتقدت بعض الأوساط المهنية اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والاتحاد الأوربي في المجال الزراعي غداة مصادقة البرلمان الأوروبي على مقتضياتها في فبراير سنة 2012، من زاوية تشجيع المغرب لبعض المنتوجات مثل الطماطم أو بعض الخضراوات وإغفال الحبوب التي يستورد منها حاجياته ، ومن زاوية الإمكانات التي تتيحها الاتفاقية للمغرب بغاية مساعدته على التغلب على هذا العجز. ومعلوم أن اتفاقية التبادل الحر بين المغرب والاتحاد الأوربي في المجال الزراعي تتضمن إجراءات التحرير المتبادل في مجال المنتوجات الفلاحية ومنتوجات الصيد البحري بغاية الرفع من حجم الصادرات المغربية من الفواكه والخضر نحو السوق الأوربية وخفض الرسوم الجمركية المطبقة على دخول هذه المنتجات من كلا الجانبين على مدى عشر سنوات ، ومن حيث القيمة ينص الاتفاق على التحرير الفوري ل 45 %من الواردات الأوربية من المغرب وعلى تشجيع قطاع الفواكه والخضر. إن دعوة الاتحاد الأوروبي إلى تقدير مضاعفات هذا التغيير على القطاع الفلاحي، الذي هو قطاع رئيسي في المبادلات التجارية بين الطرفين، لا يعفي الحكومة من المعاملة بالمثل من قبيل توظيف ملف الاستيراد والصيد البحري ، وهذا على اعتبار أن "القضية ليست قضية خضر أو فواكه أو طماطم.. بل هي قضية سيادة وطنية"،كما جاء في الوقفة الإحتجاجية التي نظمها المهنيون أمام مقر تمثيلية الإتحاد الأوروبي بالرباط يوم الثلاثاء الأخير . وما دامت القضية كذلك ، فإن مشكلة المغرب تتلخص دائما وأبدا ،لا في عدم استباقه للوقائع فحسب ، بل وفي عدم تحليه بالجرأة اللازمة في مواجهة الاتفاقات الأسبوعية وفي الانتصار لمصالحه الوطنية على قاعدة أب الاقتصاد السياسي أدم سميت : الكل يستفيد أكثر باستفادة الجميع أكثر ،عكس المنطق المركنتيلي الذي كان يقول بأنه لن يربح زيد إلا ما خسره عمرو.