ترسيخا لتقليد قضائي هام، نظم المجلس الأعلى للسلطة القضائية، اليوم الخميس، بمقر محكمة النقض بالرباط، حفل استقبال على شرف المسؤولين القضائيين الجدد الذين تفضل جلالة الملك محمد السادس رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية بإعطاء موافقته المولوية السامية على الاقتراحات التي تقدم بها المجلس في شأن تعيينهم ببعض محاكم المملكة. وفي كلمة له بالمناسبة، قال مصطفى فارس، الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، إن عملية انتقاء واختيار القضاة المعينين اليوم، تمت “بعد جلسات عمل طوال حرصنا فيها بكل حزم ودقة على اختيار من اجتمعت فيه المواصفات والكفاءات والمعايير لتحمل مسؤولية إدارة وتسيير عدد من محاكم المملكة”، مضيفا أن هذه المهمة تطلبت من أعضاء المجلس “عددا من الإجراءات والتدابير والكثير من الحكمة والتبصر والبعد الاستراتيجي في قراءة الاحتياجات واختيار الكفاءات القادرة على رفع التحديات والمساهمة في بناء عدالة تليق بالمغرب، مغرب الأوراش الإصلاحية الكبرى، مغرب التميز، مغرب المواطنة والحرية والكرامة ومغرب التنمية والعدل والإنصاف.” وبعد أن شدد على أن هناك انتظارات متعددة بالدوائر القضائية التي سيلتحق بها المسؤولون الجدد، نبه فارس إلى أن المجتمع سيرقب آثار التغيير ومظاهر الإصلاح في سلوكهم وسمتهم، وكذا في عملهم وخبرتهم، وفي طريقة إدارتهم وتدبيرهم، داعيا إياهم إلى أن يكونوا القدوة والنموذج في الاستقلالية والحياد والنزاهة والكفاءة والتجرد، “التي لا مجال للتفريط فيها أو التهاون بشأنها”، يقول فارس، الذي أضاف أن القضاء والفصل في الخصومات “لن يستقيم والعدل لن يتحقق إذا فرطتم فيها أو فتحتم أي منفذ للاستهتار بها.” فارس وهو يستعرض في كلمته مجموعة من القيم التي يجب أن يتصف بها المسؤول القضائي، سواء في علاقته بزملائه القضاة أو بمحيطه المجتمعي، حث المسؤولين القضائيين الجدد على أن “يجعلوا من محاكمهم نماذج فاعلة في مكافحة كل مظاهر الفساد وذلك باتخاذ كل التدابير والإجراءات وفقا لمعايير النزاهة والشفافية.” وفي ظل انتشار سلوكات مريبة بمحيط بعض المحاكم، والتي يكون أبطالها سماسرة لا تربطهم أي علاقة بهذه المرافق العمومية سوى البحث عن مرتفقيها للنصب عليهم، دعا فارس المسؤوليين الجدد إلى المحافظة على حرمة المحكمة ووقار البذلة وهيبة الصفة، التي قال إن “البعض يحاول انتهاكها من المتطفلين والمستهترين والسماسرة الذين يتاجرون بمشاكل الناس وهمومهم ويستغلون جهلهم ونقص خبرتهم ويستفيدون من عدم ضبط ومراقبة ما يتم في ردهات المحاكم ومكاتبها ومحيطها من سلوكات وممارسات منافية للقانون وللقيم.” فارس قال أيضا، إن “المسؤول القضائي الذي نريده اليوم لا يغلق عليه أبواب مكتبه”، مضيفا أن هذا المسؤول “مطالب بالإنصات الواعي الايجابي لشكايات المتقاضين، مبادر إلى توقي الأزمات واستباق الحلول واتخاذ المبادرات بكل جرأة وإرادة جادة “، وألا يحصر مهامه في عمل إداري روتيني دون التوفر على رؤية استراتيجية واضحة الأهداف ولا أن يقتصر على البت في القضايا التي يختص بها دون أخذ بعين الاعتبار محيطها السوسيواقتصادي وأبعادها الحقوقية والثقافية. واستطرد رئيس محكمة النقض مخاطبا القضاة “نريدكم أن تكرسوا عدالة قريبة من المواطن، قرب يتجاوز البعد الجغرافي إلى قرب إنساني قوامه الكرامة والحرية والمسؤولية”، ليردف “عدالة تجد مصداقيتها في أحكام قضائية منصفة تحترم قواعد المحاكمة العادلة داخل آجال معقولة .”