جراح ساكنة دواوير أوكيمدن تتعمق كل موسم، حيث المعاناة مفتوحة على مصراعيها بدءا بالأكل والتدفئة إلى التعليم، مما يجعلها لا تندمل رغم مرور السنين، إلا أنه رغم طول جدار المعاناة تتدفق ينابيع الكرم والجود من لدن الساكنة المتواجدة في أعمق بؤر الفقر، قد يخيل للبعض أنها مفارقة غريبة، ولكنها ثقافة متوغلة في القدم تزكي المثل القائل"الجود من الجدود ماشي من الموجود"، هي مشاهد تطرح العديد من التساؤلات حول الخدمات الضرورية المقدمة للساكنة؟ ومدى التفاعل الحكومي تجاه هذا الملف؟ "رسالة الأمة" تواجدت هناك وأعدت الربورتاج التالي . تعثر الدراسة يعاني سكان أوكيمدن من كثرة تساقط الثلوج هذه السنة التي كانت جد صعبة ومختلفة عن باقي السنوات ، ما جعل المدارس تغلق أبوابها لمدة ستة أيام، بحيث يجد الأطفال المتمدرسين صعوبة في التنقل وسط الثلوج ويقطعون مسافات تتعدى خمس أوست كيلو مترات للوصول إلى المدرسة، نظرا لقلة الإمكانيات وعدم توفر ملابس تليق بفترة تساقط الثلوج التي تغطي الطرقات والبيوت على حد سواء، مما يلزم المعلمين، الذين صاروا كأي فرد من سكان الدوار، البقاء داخل بيوتهم الطوبية، ينتظرون الفرج، بحيث يباشرون التدريس بشكل متقطع وهو ما ينتج عنه تعثر في الدراسة . ثلوج تعرقل دفن الموتى يبدو أن الإكراهات التي تلف المنطقة انتقلت من الأحياء إلى الموتى، الذين ينالون نصيبهم من المعاناة، بالرغم من أنهم أموات، حيث صرح بعض السكان ل"رسالة الأمة" أنهم وجدوا صعوبة في دفن أحد موتاهم، فخلال عملية حفر القبر التي اعتادوا القيام بها تطوعا، بدأ الماء يخرج من كل جوانبه بفعل كثرة الثلوج مما اضطرهم إلى الاحتفاظ بالجثة لمدة يومين داخل أحد البيوت إلى أن باشروا عملية الدفن فيما بعد، وهو ما يترجم قساوة الطبيعة ومرارة العيش بالمنطقة . مصائب قوم عند قوم فوائد يحضر هنا المثل القائل "مصائب قوم عند قوم فوائد"، إذ أنه بالرغم من معاناة البعض خلال هذا الموسم، يستفيد البعض الآخر منه ويستبشر خيرا بمجيئه، ويتعلق الأمر بالذين يتاجرون بالبذل الثلجية، التي تصل قيمتها إلى 100درهم ويكون هذا هو مصدر رزقهم الوحيد في هذه الظروف المناخية القاسية يستعينون به لشراء بعض المستلزمات المنزلية في ظل جمود الدخل بالمنطقة، وحتى البحث عن شغل في الأيام العادية يتطلب منهم قطع مسافات بعيدة، من أجل اختبار حظوظهم ومزاولة أي عمل كان مقابل الحصول على بضع دراهم تلبي ولو جزء من حاجياتهم اليومية . تضامن وكرم وسط أعمق بؤرالفقر جود وكرم يميزان سكان هذه المنطقة المغروسة في بؤر الفقر، لدرجة جعلت منهم ملاذا للزوار والعابرين الذين يقصدونهم من أجل طلب المساعدة أوالمبيت، فكل ما ظهرت لهم سيارة متوقفة، إلا وسارعوا نحوها دون أن يشعروا وذلك بهدف تقديم ما بوسعهم من خدمات وإرشادات لركابها، إلى حد يجعل الزائر واحدا من أفراد القبيلة في ضيافة لا مثيل لها، تكرس لثقافة الجود والإحسان المتعارف عليها، واللذين قل تواجدهما بباقي أنحاء التراب الوطني، إلا بقرى ومداشر المغرب العميق . الخبز والحساء على عكس باقي أنحاء المغرب وما تتوفر عليه من تنوع في التغذية، لا يجد سكان أوكيمدن سوى الخبز والحساء يتخذون منه طعاما رئيسيا يقسمونه على مدى ثلاثة أيام، وحتى الوجبات تكاد تفسد بفعل الثلوج، وقلة الإمكانيات المتاحة، إذ يقطع رب الأسرة مسافات جد طويلة على الدواب من أجل التسوق بعد أسبوعين أو أكثر كلما سمحت أحوال الطقس بذلك، فالمأكولات لا تتعدى الخبز وتظل الأسر على هذا الحال إلى أن تذوب الثلوج وتظهر الطريق التي يسلكونها مشيا على الأقدام أو بالاعتماد على الدواب، إذ لا أحد يأمن على نفسه من الرجوع. مما يؤكد أنه بالرغم من التطور الذي شهده المغرب في زمن القرن الواحد والعشرين، لا تزال المناطق المعزولة في صراع من أجل الحصول على لقمة العيش في ظل ظروف صعبة، لدرجة تكاد تهددها بالموت جوعا لفقدانها لأبسط شروط الحياة التي تخول لها ضمان الاستمرار. حين تختلط قساوة الظروف المناخية والاجتماعية بكل تفرعاتها، تصبح الساكنة المعزولة عرضة لجملة من الأخطار في غياب المنقذ الذي قد يحول دون مساسها، لتبقى مبعدة عن عالم الحضارة إلى أجل غير مسمى، لتطرح أكثر من سؤال عن دور القطاعات الوزارية المعنية ومنها الحكومة في مساندة هذه الدواوير وربطها بالعالم الخارجي. وعورة المسالك لا تجد عائلة المريض بالمنطقة من حلول سوى النظر في وجهه بفعل صعوبة التنقل الناتج عن وعورة المسالك وتكاثر الثلوج، التي لا يقوى على مقاومتها المسنون والذين يفارقون الحياة بسببها، رغم محاولة العائلة بإخراجهم إلى مراكش تفاديا لفقدانهم، وهو ما يوضح بالملموس حرمانهم من الولوج إلى الخدمات الصحية التي يكفلها الدستور كحق للجميع، فحتى بطاقة"راميد" التي تمكنهم من الاستفادة المجانية في حال وصولهم إلى المراكز الاستشفائية العمومية بطريقة أو بأخرى، لتبقى جراح الساكنة تزداد تعمقا حينا بعد حين دون أن تجد من يخفف من حدتها. حطب التدفئة أما حطب التدفئة فالسكان يعملون على شرائه في فصل الصيف، على شكل أطنان بقيمة 90 درهما ويعملون على تخزينه إلى حين العام المقبل، كون ثمنه يتضاعف خلال موسم الشتاء من جهة ويصعب نقله ويصبح فاسدا وغير صالح للاستعمال من جهة أخرى ، وهو ما يترجم معاناة الساكنة على مدار السنة تحت ضغط الاستعداد بما يكفي لمواجهة الثلوج. وتعتمد الأسر على مساعدة بعضها البعض عبر تبادل المؤن وتعويض النقص الحاصل لدى كل أسرة. فمشكل الأكواخ الهشة، التي يقطنها سكان الدواوير تهدد هي الأخرى سلامتهم، لأن مواد بنائها من الخشب والطين والحجارة، لا تتحمل ثقل الثلوج المتساقطة، ما يجعلهم يغلقون على أنفسهم في بيوتهم الطوبية، ويلتفون حول النار تدفئهم في الليل والنهار، اتقاء لشر البرد المميت، المنبعث من تحت الثلوج التي تغطي كل شيء، بما فيها بيوتهم ، إذ في كل بيت ترى الجميع ملتفون في جلابيب سود حول"الفورنو" الذي يستعان به في تدفئة البيوت المحاطة بالثلوج. صورة معكوسة حين ترتدي الطبيعة ثوبها الأبيض، تحمل في طياتها وجع وآهات للساكنة وتقلل من حركتها في البحث عن منفذ لتظل منطوية على نفسها ومنهمكة في استهلاك ما وفرته طيلة السنة، رغم أنه لا يكفيها لمجابهة شدة البرودة ،قد يبدو للزائر وسط سيارته المكيفة أنه جمال الطبيعة ولكنه معاناة لا يمكن تصورها مع البرد المنبعث من الثلج، والذي يصعب على القادم الجديد التأقلم معها. الزوار يستمتعون بجمال الطبيعة وبعدها يعودون إلى مراكش ومنهم من يقصد الفندق الوحيد المتواجد بالمنطقة، إلا أن الفئات المنتمية للطبقة الوسطى، فيصعب عليها ولوجه بحكم ضعف قدرتها الشرائية ، والسكان بدورهم يطالبون الجهات المعنية بوضع أماكن خاصة تأوي السياح، ووفقا لهذا المنظور يطرح التساؤل عما إذا كانت الجهات المعنية تستطيع أن تجهز بيوت السكان بما يتلاءم وطبيعة المنطقة ويستجيب لمتطلبات الدواوير بما من شأنه أن يخدم السياح أيضا، مما يعني تأهيل البيوت الهشة وإعادة هيكلتها بشكل يضمن لها استقطاب الزوار واستضافتهم ، مما يمكنهم من در دخل يساعدهم وفي نفس الوقت توفير سكن يأوي الزوار من الطبقة العادية بثمن يتماشى وقدرتهم الشرائية في أفق توفير خدمات أحسن، وهو ما يفتح الباب أمام الجهات المعنية لضرب عصفورين بحجر واحد، في سبيل توفير منافذ دخل لسكان الدواوير المعزولة ولتشجيع السياحة خصوصا الداخلية منها . جمود ذوي الاحتياجات الخاصة أما الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة فهم الأكثر معاناة في هذا الفصل إذ يعجزون عن الحركة والظروف المناخية لا تسمح لهم بالسير باستعمال الكراسي المتحركة التي لا تتوفر عند معظمهم، ما يجعلهم محرومون من الدراسة وباقي الخدمات، وبخلاف أيام الثلوج يتحدون إعاقتهم بالاشتغال على الخشب. رغبة شديدة في محاربة الأمية في غياب القطاع الوصي تسعى نساء الدوار إلى التعلم ومحاربة الأمية رغم غياب المؤهلات، إذ تتطوع بعض الفتيات المتعلمات بإعطاء دروس لمحاربة الأمية في الخلاء لغياب توفر مكان يخصص لذلك الغرض من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي تعنى بهذا الاختصاص، ما يجعل النساء يتجمعن فوق حصير يفترشنه ويحملن رضعهن فوق ظهورهن، وسط إلحاح على التعلم رغم الإكراهات التي تعيقهن.