استنادا لدراسة استقصائية لعشرين دولة عربية خلال صيف 2013، كشف التقرير الصادر عن مؤسسة الفكر العربي نهاية دجنبر الأخير، أن المنطقة العربية في مسيس الحاجة لتوفير 80 مليون فرصة عمل بحلول عام 2020 ، وان هناك عاطلا من بين كل أربعة شبان، وهو أعلى معدل بطالة في العالم . وحول عوامل الطلب والعرض في سوق العمل ، وفي ارتباط بالتعليم الذي يعد عاملا رئيسيا في معالجة معضلة البطالة ، يؤكد التقرير على أن المقاولات الصغيرة والمتوسطة تشكل عاملا محفزا لتوفير فرص الشغل بحيث توظف أعدادا أكبر مقارنة بالشركات المتعددة الجنسيات ، وأن توقعات الشباب تجاه سوق الشغل غير واقعية ، أي أنهم بحاجة إلى وظائف غير متوفرة أو فوق مستويات مهارتهم، وأنهم غير مستعدين للعمل في الوظائف المتوفرة بسب أجورها المنخفضة أو المتوسطة ، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى انهيار سوق العمل. ويخلص التقرير عبر جملة من البيانات والمعطيات التي استقتها عمليات الاستجواب والاستقصاء ، إلى أن قيمة الفرص الضائعة في المنطقة تقدر بما بين 40 و50 مليار دولار في العام الواحد ، وبالتالي فإن التكامل الاقتصادي يظل مسألة غاية في الضرورة لإدماج الفئات النشيطة من الشباب داخل دورة الإنتاج وسوق العمل . و تثور في سياق مؤشرات هذه الدراسة أوضاع منطقة شمال إفريقيا ومعضلاتها الاقتصادية والاجتماعية ، في ضوء الأزمة المالية والاقتصادية التي تهز العالم منذ سنة 2008 ومدى تداعياتها السياسية على الشمال والجنوب، والتي سبق للمنتدى الاقتصادي العالمي التداول بشأنها في دورة مراكش سنة 2010، والتي أوصى في معرضها باعتماد توجهات بنيوية على أساس معالجة الاختلالات المشهودة في نسبة النمو المستدام التي لا تتعدى 4.8% في حين تصل في آسيا والشرق الأقصى إلى 8.5% . توصيات أكدت على أن منطقة شمال إفريقيا القوية بعلاقاتها مع بلدانالخليج والشرق وولوجها المتفرد أسواق إفريقيا جنوب الصحراء وأوربا ،تشهد توسعاتجاريا جديدا على المستوى الدولي ، توسعا من شأنه في حال انخراط المنطقة العربية بطاقاتها وإمكاناتها الكبيرة ،الطبيعية منها والبشرية ، أن تشكل قطبا اقتصاديا وازنا بثقل وتأثير الاقتصاديات الصاعدة بقوة في العالم، والمتمثلة في ما يسمى بمجموعة BRICأي البرازيل وروسيا والهند والصين، بل وموقعا فاعلا حتى، في مجرى إعادة رسم الخريطة الاقتصادية للعالم المفتوحة على تحولات مستقبلية في معادلات وموازين قوى العلاقات الدولية . وهذا في الوقت الذي تعد فيه المنطقة العربية مصدرا رئيسيا للطاقة، المعدنيةمنها والمتجددة، و تمثل 5% منالساكنة العالمية، وتتميز بتركيبة ديموغرافية شابة تؤهلها لكسب الرهانات وقهر التحديات ، المتمثلة في الدفع بجميع مقومات التكامل الاقتصادي والاندماج الإقليمي ، وإزاحة كل العقبات السياسية والحواجز القطرية المنتصبة ضدا على ما تصبو إليه شعوب وأمم شمال إفريقيا من سلم وأمن واستقرار وتقدم. عقبات وحواجز بتبعاتها السياسية على المنطقة ، وما تشهده من جمود مزمن و من مظاهر العنف والتطرف التي تذكي حالة عدم الاستقرار،وتقلص فرص التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتقلل من وزن ومكانة المنطقة في منظومةالتعاون الدولي. وطالما المجتمع الدولي عاجز عن إيجاد حلول عادلة ودائمة للصراع العربي الإسرائيلي والإنتصار لشرعة الأممالمتحدة في الحفاظ على الوحدة الترابية للشعوب كما هو الحال في النزاع المغربي الجزائري، وعلى إرساء وبنحو جوهري لنظام اقتصادي عالمي جديد ،فإن مصير الشعوب والأمم، حسب تعليق لباول كروغمان الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، سيظل على كف نظام مجبول على الفوضى المالية والسياسية لمضاربي العقار والبورصات وتجار الحروب ،ومتوحش حد تأليهه للسوق وافتراسه للدولة،ومحكوم بأزمات دورية ذات منحدرات كارثية على السلم العالمي والأمن الدولي. وعلى إعتبار أن تعثر اندماج اقتصاديات المنطقة العربية يقف حجرة عثرة في طريق تمنيع المنطقة من مخاطر الأزمات المالية والاقتصادية الدولية وتجنيبها كل ما يتهدد استقرارها من انتفاضات شعبية وحروب أهلية، فقد سطرت دورة مراكش على أن حاجة المنطقة إلى التكامل الاقتصادي الإقليمي والى حرية تنقل الأفراد والسلع وأسواق بحدود مفتوحة وتأهيل البنية التحتية اللازمة لمرافقة التحولات المشهودة عالميا تظل ملحة وحيوية لمواجهة أولى هذه المخاطر التي تتمثل في البطالة وقلة فرص العمل،بعد أن صارت نظم التعليم المعتمدة متجاوزة ولا تستجيب لمتطلبات السوق وبعد أن أصبحت ضرورات الدفع بمفاهيم جديدة للتعليم والتكيف مع المعطيات الجديدة والتركيز على التعليم التقني والمهني وبالتالي الاستثمار في العنصر البشري وتجاوز المعايير والعقليات القديمة للتسيير نحو معايير وأبعاد جديدة ،مطروحة بحدة لا متناهية. أوضاع ما فتئت تدلل على انحسار النظام العربي القائم منذ خمسينات القرن الماضي وتآكل مقومات شرعيته الديمقراطية ، بفعل أمر واقع كبت الحريات وقمع الحقوق وتعميق هوة الفوارق الاجتماعية والإقصاء الممنهج للشباب المشكل للقاعدة الواسعة من هرمه السكاني، والتي تدل مؤشراته في العالم العربي على انتقال سن الزواج خلال العقود الثلاثة الأخيرة من حوالي 17 إلى 30 سنة، بحيث أصبح الانتقال من المراهقة إلى الاندماج في المجتمع مؤجلا، وهو ما يعني حسب أستاذ علم الاجتماع إدريس بنسعيد، إضافة 15 سنة على الأقل جديدة لهذه الدائرة التي صارت فيها طاقات جنسية وطاقات عمل وطاقات اجتماعية وسياسية مهدورة وغير مدبرة خارج كل تنظيم سواء تعلق الأمر بمؤسسة الزواج أو بدورة الإنتاج والعمل أو بمجالات النشاط الاجتماعي أو بفضاءات الإنتاج الثقافي. وباستحضار حراك الشباب العربي منذ ثورة الياسمين بتونس نهاية 2010 ومساراته المفتوحة وبحدة على ضرورة وملحاحية الاستجابة لمطالب الإصلاح القاضية بإقرار حكامة تطال الشأن العام بكل أبعاده على قاعدة أولوية محاربة الفساد والقطع مع اقتصاد الريع ومع أنظمة قانون القوة وعلى أساس إقامة دولة الحق والقانون والتوزيع العادل للثروات ،وهذا في الوقت الذي تشير فيه التقارير الدولية إلى أن 60% من ساكنة العالم العربي لا تتجاوز أعمارها 30 سنة .