قال تقرير نشره البرنامج الانمائي للامم المتحدة ومنظمة العمل الدولية يوم الثلاثاء إن "المقايضة المغلوطة" بين الحقوق الاقتصادية والسياسية كانت سببا في اندلاع احتجاجات ما أصبح يُعرف بالربيع العربي، داعيا إلى سير الاصلاحات الاقتصادية جنبا إلى جنب مع الاصلاحات السياسية. ويأتي صدور التقرير بعد أكثر من عامين على اندلاع انتفاضات الربيع العربي التي أطاحت برؤساء تونس ومصر وليبيا واليمن في حين تحولت الاحتجاجات المندلعة في سوريا منذ 22 شهرا على حكم الرئيس بشار الاسد الى اطول الانتفاضات العربية واكثرها دموية. وقال تقرير "نظرة جديدة الى النمو الاقتصادي: نحو مجتمعات عربية منتجة وشاملة" إن الاسباب الكامنة وراء الربيع العربي تتضمن "انحراف نموذج التنمية وتفكك العقد الاجتماعي اللذين قام بموجبهما المواطنون العرب بمقايضة الحريات السياسية مقابل الحصول على الوظائف... والاعانات المتنوعة... وتدني الضرائب والحصول على مساعدات من الدولة. وأضاف التقرير أن التحولات المستمرة في المنطقة العربية تبرز "المقايضة المغلوطة بين الحقوق الاقتصادية والحقوق السياسية.. فعلى الاصلاحات الاقتصادية ان تتماشى جنبا الى جنب مع الاصلاحات السياسية" مبرزا أن أن المنطقة العربية "سجلت ادنى المعدلات من حيث النمو في دخل الفرد الواحد ومن حيث حرية التعبير والمساءلة" مما يعكس عدم انخراط المواطنين في وضع السياسات. واشار التقرير الى ان اغلبية المكاسب في مجال التوظيف تركزت في قطاع الخدمات حيث ارتفعت حصة هذا القطاع من التوظيف بنسبة عشرة في المئة خلال السنوات العشرين الماضية وانخفضت حصة قطاع الفلاحة بمعدل 20 في المئة لكنه ما زال يوظف 30 في المئة من العمال في شمال افريقيا و22 في المئة في الشرق الاوسط. ورغم الاصلاحات في دول المنطقة وجهود تعزيز فعالية القطاع الخاص الا أن التقرير قال ان المنطقة العربية لا تزال "من بين المناطق الاقل تنافسية على المستوى العالمي. وقد فشلت الاصلاحات في معظم الاحيان في ضمان تكافؤ الفرص في السوق... كما بقيت معدلات الاستثمار منخفضة." أعلى معدلات البطالة والهجرة في العالم وأشار التقرير ان المنطقة تسجل "اعلى معدل بطالة لدى الشباب على الصعيد العالمي حيث يبلغ 23.2 في المئة بالمقارنة مع المعدل العالمي البالغ 13.9 في المئة" كما تسجل أعلى معدل للبطالة لدى الشابات في العالم بنسبة 37 في المئة. التقرير كشف أيضا أن المنطقة العربية تسجل اعلى معدلات الهجرة لدى المتعلمين واصحاب المهارات. واشار الى ان معدلات البطالة في العديد من دول المنطقة لدى الشباب المتعلمين تساوي بل وتتخطى معدلاتها لدى الشباب الاقل تعلما كما ان العمال المتعلمين لا يتقاضون اجرا اعلى بكثير من العمال الاقل تعليما. وفي مجال التعليم شارف معدل تعليم الاناث على اللحاق بمعدل تعليم الذكور ويبلغ عدد الطلاب في المنطقة 80 مليون طالب. لكن رغم المكاسب المهمة على مستوى التعليم قال التقرير ان الطلاب العرب لا يحتلون "مراتب عالية في جداول التصنيف الدولية لا سيما الطلاب في الدول التي تؤمن الاستخدام في القطاع العام بشكل او بآخر." وأوضح التقرير تأثر المستوى التعليمي وحوافز التعليم بنوعية الاقتصاد وقال إن "الاقتصاديات القائمة على النفط تتيح القليل من المحفزات التعليمية أمام الباحثين عن عمل نظرا إلى أهمية الجنسية في الحصول على وظيفة. "أما في الاقتصاديات غير القائمة على النفط فيعتبر التعليم عنصرا أساسيا يخول للباحثين عن عمل ايجاد وظيفة محلية او الهجرة الى بلد آخر. وبالتالي يتمتع الطلاب في هذه الاقتصاديات بمعدلات اعلى من حيث التحصيل العلمي." مشكلة العالم العربي ليست في نقص المهارات ولم تكن المشكلة في العالم العربي في نقص المهارات وانما في عدم وجود طلب في سوق العمل على المهارات. واشار التقرير الى ان من غير المرجح ان يهتم أصحاب العمل العرب "بإتاحة فرص التدريب أمام العمال لأن قضايا مثل استقرار الاقتصاد الكلي والفساد والضرائب والتمويل تسترعي انتباههم اكثر من مسألة النقص في المهارات." وانتقد التقرير وضع الضمان الاجتماعي في دول المنطقة وقال ان التغطية في هذا المجال "غير ملائمة وغير هادفة". وقال ان اغلبية نظم الضمان الاجتماعي تغطي عمال القطاع العام والقطاع الخاص المنظم وتستثني الفئات الاخرى من العمال. واشار الى ان ارتفاع معدلات العمل غير المنتظم وتراجع معدلات مشاركة المرأة في سوق العمل الى جانب تزايد معدلات البطالة يسهم في الحد من التغطية في مجال الضمان الاجتماعي. وسجلت دول مجلس التعاون الخليجي زيادة في الانفاق الصحي على الفرد بشكل ملحوظ على مر السنين إلا انه في بعض الدول العربية مثل مصر ولبنان والسودان وسوريا واليمن تتم تغطية أكثر من نصف النفقات الصحية الاجمالية من اموال المواطنين الخاصة. أدنى معدلات النمو الاقتصادي المتوقعة وحذر التقرير من أنه من المتوقع ان تسجل المنطقة العربية ادنى معدلات النمو الاقتصادي حتى عام 2015 بالمقارنة مع جميع مناطق العالم بعد امريكا اللاتينية. واشار الى ان النسبة المتوقعة تبلغ 3.8 في المئة في شمال افريقيا و4.5 في المئة في الشرق الاوسط. ونظرا الى استمرار النمو السكاني في المنطقة لن تحدث هذه المعدلات الا اثرا طفيفا على الدخل الحقيقي للفرد. وارتفع عدد السكان في المنطقة من 224 مليون نسمة عام 1991 الى 343 مليون نسمة في 2010 اي بزيادة 53 في المئة. ولأجل بناء مسار اكثر شمولية واستدامة نحو النمو الاقتصادي دعا التقرير الى تعزيز سياسات الاقتصاد الكلي لتحسين الارباح الانتاجية وزيادة الاجور والى التواصل والحوار الاجتماعي والى تعزيز الحماية الاجتماعية التي تضمن الامن على مستوى الدخل والتوظيف. ودعا ايضا الى تحسين الوصول الى تعليم ذي نوعية عالية واحترام الحرية النقابية وتعزيز الحكم الرشيد.