يرى عدد من المراقبين لتطورات قضية الصحراء وما يرتبط بها من عمل الأممالمتحدة أن مرحلة روس قد شارفت على نهايتها لسببين: السبب الأول وهو قرب انتهاء الولاية الثانية للأمين العام الحالي بان كي مون على رأس المنظمة الأممية في دجنبر 2016 . السبب الثاني هو فشل روس كمبعوث شخصي لبان كي مون في مهمة الوساطة بين أطراف النزاع، وعدم قدرته على تحقيق نتائج ملموسة يمكن أن تعيد قطار التفاوض إلى سكته الصحيحة. "روس" وبحسب هؤلاء المراقبين والمتتبعين، تحول إلى جزء من المشكلة، حينما ظن أنه بممارسة الضغط على المغرب عبر مطالباته المتكررة بزيارة الأقاليم الجنوبية، سيحقق شيئا ما في مسار القضية ونسي أنه إنما يضيع على نفسه الكثير من الجهد والوقت ويخلط الأوراق أمامه، في بحثه عن حل غير واقعي ومن نسج خياله. فتجربة روس لا تختلف في شيء عن تجربة سلفه جيمس بيكر الذي حاول بدوره فرض خيارات غير واقعية ولا تنسجم مع الطبيعة الديمغرافية والجغرافية والجيو-استراتيجية للصحراء المغربية كأحد مكونات التراب المغربي الرئيسية منذ قرون، والتي عكستها الروابط التاريخية والسياسية والقانونية والدينية والاجتماعية والقبلية بينها وبين باقي مناطق المغرب الحالية وتلك التي اقتطعها الاستعمار الفرنسي وضمها إلى مستعمرة الجزائر في أواخر القرن التاسع عشر وكذا خلال بدايات القرن العشرين. لقد كشف "روس" في نهاية المطاف أنه وسيط فاشل، كما أقر بذلك هو نفسه في تقريره الأخير، حينما اعترف بعجزه عن التوفيق بين طرفي النزاع، ومال في كثير من الأحيان إلى الطرف الآخر، واتخذ من ورقة "حقوق الإنسان" ذريعة للمطالبة بزيارة الأقاليم الجنوبية"، ناهيك عن مطلب توسيع صلاحيات "المينورسو"، إضافة إلى كون هذه الأخيرة انحرفت هي الأخرى عن مهمتها الأساسية والتي هي مراقبة وقف إطلاق النار بمحاولة التدخل في الملف بطريقة أو بأخرى، عبر وضع تقارير مخدومة تحاول أن تنال من المغرب، في سعي واضح للضغط عليه. الواضح اليوم هو أن روس لم يعد له مكان أو دور في الصحراء، وبرهن أنه غير محايد، وأنه يدور في فلك الطرح المناهض للوحدة الترابية للمغرب، ولا معنى لجولات جديدة، بعد ما تبين أنه جزء من المشكلة بمواقفه الملتبسة، ومحاولاته العدائية المتكررة للمغرب، ولا معنى لما يطالب به الأمين العام الأممي بشأن حق روس في زيارة الأقاليم الجنوبية، في وقت لا يملك هذا الأخير أية مبادرة حقيقية لحلحلة مسار المفاوضات، وبعدما تأكد أن الهدف من زياراته السابقة للعيون لم يكن نقل صورة موضوعية عن الأوضاع في الأقاليم الجنوبية بقدر ما كانت محاولة لمساومة المغرب بورقة حقوق الإنسان، اعتمادا على مزاعم شرذمة من دعاة الانفصال. إن "روس" لم يعد وسيطا مقبولا بالنسبة للمغرب ، بعد وضوح انحيازه للخصوم، وإصراره على زيارة الأقاليم الجنوبية وتوسيع تحركاته بما يتجاوز صلاحياته القانونية، وسعيه غير المقبول للتدخل في الشؤون الداخلية للمغرب، واستغلال بعض الاحتجاجات المزعومة التي كانت ترافق زياراته للأقاليم الجنوبية ، للدفع في محاولة لفرض خيار توسيع صلاحيات بعثة "المينورسو" لتشمل أشياء لا تدخل في نطاق اختصاصاتها المحدودة ، وذلك في تعارض واضح مع اختصاصاته كوسيط والتي تلزمه بالحياد والبحث عن تسوية سياسية لدى الأطراف المعنية، وليس تنصيب نفسه طرفا في النزاع. فقد مارس المغرب قراره السيادي حينما رفض وجود الرجل بالأقاليم الجنوبية، بناء على النتائج والمعطيات السابقة التي أثبتت أنه غير نزيه، وأن همه الدائم كان هو التدخل في مجالات لا علاقة له بها، مما ضيع عليه وعلى المنطقة وقتا مهما كان بالإمكان استثماره لإيجاد تسوية واقعية لنزاع الصحراء، وذلك لما أصر على تهميش مبادرة المغرب بمنح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا موسعا، بل إنه حاول إدخال المفاوضات غير الرسمية حول الصحراء في متاهات لا نهاية لها. إن الكرة الآن في ملعب بان كي مون، والعودة إلى نقطة الصفر معناه عدم الأخذ بعين الاعتبار التطورات المهمة التي عرفها مسار التسوية منذ 2007، والقفز عليها، والتغاضي عن الحقائق السياسية والاجتماعية التي تشكل واقع الأقاليم الجنوبية، بعد تبني المغرب خيار الجهوية الموسعة وانخراط سكان الصحراء في الدينامية السياسية والديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية الجديدة، التي يعرفها المغرب في ظل دستور 2011، ومحاولة إثارة قضايا جانبية بعيدة عن جوهر المشكل الذي يمثله شخص المبعوث الأممي روس، وبالتالي ارتكاب خطأ جيمس بيكر، حينما خرج عن مقتضيات القرارات والتوصيات الصادرة عن مجلس الأمن، بمحاولة فرض خيارات غير ممكنة لحل النزاع أبرزها تقسيم الصحراء بين طرفي النزاع، والتي أدخلت مسار التسوية في نفق مسدود انتهى باستقالته والبحث عن وسيط جديد. وهكذا يبدو اليوم واضحا أن بان كي مون ومبعوثه روس يسيران بخطى حثيثة على خطى بيكر ويخرجان عن تلك المقتضيات التي ترسم تحركاتهما، بمحاولة جر الملف إلى حلول غير واقعية لا تحترم مطالب المغرب في وحدته الترابية، الشيء الذي جعله يبادر إلى تطبيق حل داخلي عبر إطلاق النموذج التنموي الجديد في إطار تفعيل الجهوية الموسعة بالأقاليم الجنوبية دون انتظار للمسار الأممي الجامد.