وجه محمد ساجد، الأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري، انتقادات حادة وشديدة لحكومة عبد الإله بنكيران، على خلفية فشلها في تدبير الشأن العام، وابتكار الحلول المناسبة للمشاكل والقضايا الاجتماعية والاقتصادية، وخصوصا في ما يتعلق بإصلاح أنظمة التقاعد، وصندوق المقاصة، والإصلاح الضريبي، مؤكدا أن هذه الحكومة " تفتقد للرؤية الإستراتيجية، ولا تمتلك أي إرادة لبناء المستقبل." وقال ساجد في كلمة له خلال اليوم الدراسي الذي نظمه، أول أمس الثلاثاء، فريقا الاتحاد الدستوري بمجلسي البرلمان، "إنه على الرغم من الظرفية الاقتصادية العالمية الملائمة، وبالنظر لتوفرها على أغلبية مريحة في مجلس النواب، إلا أن الحكومة الحالية لم تستثمر بالشكل الجيد العوامل الإيجابية التي توفرت لديها، من أجل تطوير الاقتصاد الوطني، وخلق فرص التنمية"، مضيفا "عندما يتوفر لدى المسؤول على مستوى رئاسة الحكومة مناخ اقتصادي ملائم، تنضاف إليه عوامل الاستقرار الداخلي ولا يقوم حينها بأي إصلاحات جوهرية، مفضلا فقط الاكتفاء بما هو شعبوي، معناه أن هذا المسؤول، قد فشل في مهامه." وأوضح الأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري، أن الأخير يرى أن الإصلاحات الماكرو-اقتصادية، التي تعهدت بها الحكومة لم تتم وهي الآن في السنة الأخيرة من عمرها، مشيرا إلى أن عددا من المؤشرات الاقتصادية، قد شهدت منحى تنازليا، وخاصة مؤشر النمو، الذي يتوقع أن لا تحقق فيه الحكومة سوى نسبة 3 في المائة، خلال سنة 2016، بعدما كانت تتحدث في وقت سابق عن بلوغ معدل 5.5 في المائة، وهي النسبة التي وصفها ساجد ب"غير الكافية"، بالنسبة لبلاد لها طموح في أن تلحق بركب الدول الصاعدة. وتوقف ساجد عند صندوق المقاصة، متسائلا عماذا فعلت الحكومة بالأموال التي وفرتها من هذا الصندوق، بعدما خفضت من اعتماداته المالية المخصصة له، يما يناهز 40 مليار درهم، بحيث انتقلت ميزانيته من 56 مليار درهم سنة 2012 إلى 32 مليار درهم سنة 2014، وصولا إلى 15 مليارا خلال مشروع قانون مالية السنة المقبلة، مذكرا أن الحكومة لا فضل لها في هذا الخفض، الذي مس اعتمادات صندوق المقاصة، وإنما يرجع السبب إلى التراجع الكبير الذي طال أسعار مواد المحروقات"، محذرا في الوقت ذاته الحكومة من سوء توظيف ما وفرته من أموال من صندوق المقاصة. وقال في هذا الصدد "إن الأموال التي تم توفيرها من المقاصة لم تستعملها الحكومة بالطريقة الكافية، واكتفت بتوظيفها في أمور لا تخرج عن إجراءات جزئية ديماغوجية، انتخابية"، معتبرا أن ذلك يعد بمثابة "خلل وأن الحكومة كان لزاما عليها أن توظف تلك الأموال في تشييد مشاريع استثمارية ضخمة ، وتطوير أخرى، كمحطة الغاز بالجرف الأصفر، وتقوية الشبكة الحديدية، خاصة المرتبطة بنقل البضائع، عوض أن توظفها في مشاريع لها طابع استهلاكي وانتخابوي غير منتج." من جانبه، قال إدريس الراضي، النائب الأول للأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري، ورئيس الفريق الدستوري الديمقراطي الاجتماعي بمجلس المستشارين، إن مشروع قانون مالية 2016، هو آخر إمكانية قانونية ودستورية أمام الحكومة لترجمة مدى قدرتها على الوفاء بالالتزامات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي سطرتها في البرنامج الحكومي، معتبرا في مداخلته باللقاء الدراسي ذاته، أن هذا المشروع أيضا، محطة وفرصة أمام الحكومة لعكس خبرتها وتجربتها في تدبير الشأن العام وترجمة تصورها للسياسات العمومية في مختلف القطاعات. وأشار القيادي الدستوري إلى أن المناخ السياسي الإيجابي المتمثل في مستجدات دستور 2011، وفي الاستقرار الأمني والسياسي الذي يعرفه المغرب، يعتبر ميزة مقارنة، متسائلا "هل استطاعت الحكومة استثمار هذا الجو الإيجابي وتحويله إلى مكتسبات اقتصادية؟". كما تساءل الراضي، وهو يذكر بأنه خلال السنوات الأخيرة، عرفت أسعار البترول وبعض المواد الأولية تراجعا ملحوظا في السوق الدولية، كيف استثمرت الحكومة هذه الفرص لتحقيق الإقلاع الاقتصادي وغزو الأسواق الجديدة، خصوصا مع انعدام الاستقرار السياسي والاجتماعي في بعض الدول المنافسة، مما أتاح أمام المغرب فرصا كبيرة لتحقيق المكاسب المالية والاقتصادية. وقال نائب الأمين العام، لقد تحقق لهذه الحكومة مكاسب مالية هامة، خصوصا بعد التوازن الذي استعاده ميزان الأداءات بفضل سياسات عمومية انطلقت منذ عشرات السنين، وبفضل جاهزية كل الأوراش الكبرى التي كانت مفتوحة والآن تجني هذه الحكومة ثمارها، فهل استطاعت الحكومة إعادة توزيع الثروات لتجاوز الاختلالات المجالية والاجتماعية؟ وهل عززت مبدأ الثقة لدى المقاولة الوطنية أولا ثم الأجنبية؟. وتميز هذا اللقاء الدراسي الذي أداره شاوي بلعسال، رئيس الفريق الدستوري بمجلس النواب، ورئيس مجلسه الوطني، بالكلمة التي ألقاها هذا الأخير، والتي أكد من خلالها على أن الحكومة عجزت عن استثمار ما توفرت لديها من ظروف داخلية جيدة، تمثلت في تحقيق محصول زراعي قياسي، وارتفاع عائدات تحويلات مغاربة الخارج من العملة الصعبة، وكذا أخرى خارجية مرتبطة بانخفاض أثمنة البترول، (استثماره) بالشكل الأمثل في الإعداد لمشروع قانون مالي بمواصفات الجودة، موضحا أن مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، والذي يرهن مستقبل البلاد لسنة أخرى في ظل هذه الحكومة، لم يلامس بعد الإصلاحات الكبرى. وأضاف بلعسال أن الحكومة وهي تدرك بأن هذا المشروع هو آخر مشاريع قوانينها المالية، كان عليها أن تعد مشروعا "يكون استدراكيا وإصلاحيا"، لا أن يكون محشوا بإجراءات ستظل حبرا على ورق، متسائلا في الوقت نفسه عن مآل المشاريع الكبرى التي وعدت بها الحكومة والأحزاب المشكلة لها، وخاصة فيما يتعلق بالقطع مع اقتصاد الريع الذي يراوح مكانه، وإصلاح القطاع غير المهيكل، وكذا نظامي التقاعد والمقاصة، وكتلة الأجور. رئيس فريق الاتحاد الدستوري بمجلس النواب، ذكر بالمناسبة ذاتها بالمداخلة الذي قدمها الأسبوع الماضي بلجنة المالية، خلال المناقشة العامة لمشروع قانون المالية ل2016، والتي شرح فيها أعطاب وسلبيات هذا المشروع، الذي وصفه ب"الفاقد للجرأة والمستسلم لطغيان العادة". وجدد بلعسال التأكيد في تدخله على أهمية التنزيل السليم للمبادرة الاجتماعية والتنموية التي جاءت في خطاب العرش الأخير، والمتمثلة في إصلاح الاختلالات المجالية، والنهوض بالأوضاع الاجتماعية لأزيد من 12 مليون مواطن يقطنون بأكثر من 24 ألف دوار، وبميزانية إجمالية، تبلغ حوالي 50 مليار درهم، خلال الفترة ما بين 2016 و2022. من جهته، أكد الدكتور حسن عبيابة، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الدستوري، أن الحكومة لم تف بتعهداتها المعلنة في برنامجها الحكومي الذي هللت له إعلاميا حيث لم تحقق منه سوى 45 بالمائة ، وجاءت النتائج مخيبة للآمال بالمنطق السياسي حيث لم تقم بتنزيل الدستور وفق الوتيرة المطلوبة "مما يفرض علينا، طرح سؤال جوهري هو ماذا فعلت الحكومة في تنزيل الدستور طيلة أربع سنوات؟. " أما على مستوى الأرقام والمؤشرات، يردف الدكتور عبيابة، فإنها سواء الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط أو بنك المغرب أو التقارير الدولية والمحلية ذات الصلة، تؤكد أن ارقام الحكومة كانت افتراضية ولا علاقة لها بالواقع بدليل أن برنامجها الحكومي وعد بتحقيق نمو اقتصادي يفوق 5 بالمائة، إلا أن الواقع يشير إلى أنها لن تحقق غير 3 بالمائة. وأضاف أن الأمر الثالث الذي وعدت به الحكومة ولم تفعله ، هو خلق الثروات، إذ ظل هذا المفهوم مغيبا في جميع القوانين المالية في هذه الحكومة، التي لم تضف أي مورد مالي جديد لموارد خزينة الدولة، يشير الدكتور عبيابة. وفي السياق نفسه، قال الدكتور عبيابة "إن البرنامج الحكومي وعد بأربع إصلاحات كبرى من ضمنها إصلاح القضاء لكن المواطن لم يلمس أي إصلاح حيث يشتكي من عدم التنفيذ والإطالة والرشوة". أما بخصوص إصلاح الإدارة، يردف الدكتور عبيابة فإن هذا القطاع لم يتحقق منه أي شيء على المستوى العملي فضلا عن الفشل في العديد من القطاعات الاجتماعية، ومنها على الخصوص قطاع التشغيل والصحة والتعليم. وسجل الدكتور عبيابة على الحكومة تغطيتها للفشل في تنزيل الدستور والإصلاحات الكبرى بالبهرجة الإعلامية والاستغلال السياسيوي والانتخابوي لبعض الملفات الاجتماعية من قبيل التهليل الإعلامي لما يسمى بمساعدة الأرامل التي تعتبر إهانة للمغاربة بدليل أن منح أرملة 10 دراهم في اليوم يبعث على السؤال ، هل هي إعانة أم هي إهانة؟. وفي المنحى ذاته، اعتبر الدكتور عبيابة أن "البروباكندا الإعلامية " ل 25 ألف منصب مالي الذي خصصته الحكومة في مشروع قانون ماليتها لا يلبي حتى 5 بالمائة من طلبات التشغيل في ظل استفحال معضلة البطالة، حيث إن أزيد من مليون شخص غالبيتهم من حاملي الشواهد العليا والمتوسطة عاطلون عن العمل. وأشار الدكتور عبيابة في معرض تحليله لوضعية سوق الشغل إلى أن الدولة توظف فقط 585 آلف شخص، بينما 11 مليونا، يعملون في القطاع الخاص بما يعانيه من عراقيل نذكر منها التضريب كل سنة في إطار المقاربة المحاسباتية الحكومية الجافة . فضلا عن أن آلاف المقاولات الصغرى والمتوسطة تعيش ظروفا صعبة، بحسب التقارير الدولية. وفيما يخص ورش الجهوية الموسعة ، تساءل عبيابة كيف يعقل أن يتم تنزيل هذا المشروع الضخم بأربع ملايير درهم فقط، مضيفا "لا اعتقد أن هذا المبلغ سيكفي لتنزيل قويم لهذا الورش المهم، واعتقد أنه باستثناء الربح السياسي لن تكون النتائج في مستوى الرهانات المعقودة على الجهة ". أما بخصوص إصلاح المقاصة، فقد اعتبر الدكتور عبيابة إصلاحه تدبيرا مرحليا، ولفترة معينة في انتظار تبعات أسعار البترول، بينما التقاعد ظل وسيظل مؤجلا في عهد هذه الحكومة، محذرا في الوقت ذاته من خطورة ارتفاع المديونية، التي وصلت إلى 64 بالمائة، من الناتج الداخلي الخام. وخلص عبيابة إلى أن استقرار البلاد يأتي أساسا بالسلم الاجتماعي، وهذا الأخير يتأتى أساسا من خلال توفير الشغل، والرفع من الاجور، وتوفير الجودة في العديد من القطاعات الحيوية، وعلى رأسها قطاعا الصحة والتعليم. وبعد أن أكد أن الاتحاد الدستوري تأثر بالنيران الصديقة، تساءل هل الديمقراطية الرقمية تعطي التنمية؟ مؤكدا بأن الجواب سيكون هو لا، مشددا "أن لا احد يمكنه أن يستقوي على الآخر ، فقط لأنه احتل المرتبة الأولى، فالأخير يمكنه أن يسير أفضل من الأول، والتجارب الدولية أثبت ذلك. إلى ذلك، وخلال المناقشة العامة، سلط البرلمانيون الدستوريون في هذا اليوم الدراسي الأضواء على كل الجوانب المرتبطة بالقانون المالي الحالي، إذ سجل مولود بركايو عضو لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، أن هذا المشروع "لا يحمل أي جديد للمغرب"، وأن الحكومة لا تتوفر على رؤية بعيدة المدى، متسائلا عن القيمة المضافة التي يحملها هذا القانون إلى المغاربة، باستثناء مواصلة مسلسل التضريب بحثا عن ضبط التوازنات الماكرو-اقتصادية. في حين سلطت أم البنين لحلو الضوء على بطء الحكومة في تنزيل توصيات المناظرة الوطنية حول الإصلاح الجبائي، منتقدة في الوقت ذاته كثرة الحوارات الوطنية بدءا من العدالة، ووصولا إلى المجتمع المدني، من دون تنزيل حقيقي لتوصيات هذه الحوارات على أرض الواقع. بدورها، قالت فوزية البيض، إن الحكومة لا تفكر بمنطق رجل السياسة، بل بمنطق عدد المقاعد الانتخابية، مضيفة أن المنطق الأول ينتج المشاريع الهيكلية وتكون لديه رؤية استشرافية، مقابل أن المنطق الثاني يشتغل بمنظور الحزب الوحيد، ودائما ما يفشل في خلق المشاريع. نفس الطرح ذهب إليه محمد الزكراني عضو الفريق الدستوري بمجلس النواب، الذي أكد أن مشروع القانون "لا يحمل أي تصور جديد"، ولا يختلف عن سابقيه من مشاريع القوانين المالية"، وقال في هذا السياق "إن الحكومة لم تأت بأي جديد في هذا المشروع، باستثناء مزيد من الضرائب الجديدة." وتساءل الزكراني عما أعدته الحكومة فيما يخص تشغيل الشباب، وخصوصا حاملي الشواهد، وكذا فيما يتعلق بالرفع من جودة التعليم، والصحة والعدالة، وتطوير القطاع غير المهيكل، فضلا عن تدعيم القدرة الشرائية للمواطنين. إلى ذلك، قدم محمد أورحو مدير إدارة الفريق الدستوري بمجلس النواب، قراءة في بعض المعطيات الرقمية التي وردت في مشروع القانون، كمعدل النمو الذي يتوقع أن يبلغ خلال السنة المقبلة، 3 في المائة فقط، مما يعني أن الحكومة، بقيت بعيدة عن الوفاء بالتزامها في تحقيق معدل نمو 5 بالمائة"، يقول أورحو، مضيفا أن "الحكومة التي لا تقدر على استثارة النمو أو تطوير عناصره فهي حكومة عاجزة وفاشلة." أما بخصوص الضريبة على الشركات، فقد أشار أورحو إلى أن نظام الأشطر الذي جاء مضمنا بمشروع قانون المالية، كان مطلبا للعديد من الأحزاب والنقابات، إلا أنه انتقد فرض ضريبة 10 بالمائة على الشركات التي تصل أرباحها إلى 300 ألف درهم، مؤكدا " أن تخفيض هذه النسبة إلى 5 بالمائة، من شأنه أن يدفع بالقطاع غير المهيكل إلى الالتحاق بالقطاع المهيكل". من جهته، ذكر خالد العمراني، المتتبع للشأن المالي، بالسياق العام الذي أتى فيه مشروع قانون المالية، مؤكدا أن الحكومة لم تستثمر بالشكل الجيد هذا السياق، المتمثل في الظرفية الاقتصادية العالمية الملائمة، خاصة بمنطقة اليورو، وكذا تراجع أسعار الطاقة التي كانت تشكل غولا للحكومات المغربية. وأضاف العمراني أن الحكومة لو وظفت هذه العوامل لصالحها "لحققت نسب نمو أعلى بكثير من المحققة أو المتوقع بلوغها"، مؤكدا أن الهاجس الوحيد الذي يؤرق بال هذه الحكومة هو "البحث عن كيفية التحكم في نسب العجز".