من بين الإشارات العميقة التي تضمنها الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان يوم الجمعة الماضي، تلك التي تتعلق بدور المؤسسات في بناء مجتمع ديمقراطي يكفل الحقوق للجميع. فقضية الحقوق تظل المرتكز الأساسي لبناء مجتمع عادل ومنصف يسود فيه تكافؤ الفرص، وتنعدم فيه التفاوتات الاجتماعية والمجالية، ويحظى فيه الفرد المغربي بحياة كريمة وآمنة. إذ تعتبر المؤسسات الضمانة الحقيقية لحقوق المواطنين، وللخدمات التي يحتاجون إليها، وبالتالي لا يمكن القبول بأن تكون رهينة أهواء الأشخاص ورغباتهم كما أكد الخطاب الملكي على ذلك. ف "الأشخاص كيفما كانوا فهم راحلون، أما المؤسسات فهي دائمة". ومن ثم لا ينبغي أن ترتكز الحياة السياسية على الأشخاص، وإنما يجب أن تقوم على المؤسسات، حيث إن تمثيل المواطنين يبقى "أمانة عظمى على المنتخبين والأحزاب أداؤها، سواء بالوفاء بوعودهم تجاه الناخبين أو من خلال العمل على الاستجابة لانشغالاتهم الملحة وهي مسؤولية وطنية تقتضي من الجميع الارتقاء إلى مستوى اللحظة التاريخية التي تعيشها بلادنا". تلك هي الرؤية والمقاربة التي يجب العمل على أساسها من أجل تحقيق الأهداف النبيلة للممارسة الديمقراطية. لأن الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات وغيرها من المؤسسات المنتخبة معنية بحماية واحترام حقوق المواطنين في العيش الكريم، حيث إن الغاية من انتخاب مؤسسات ديمقراطية هو الرفع من أداء مؤسساتنا تجاه تفعيل مقتضيات الدستور الخاصة بحقوق الإنسان. إن المطلوب هو تكريس ثقافة الحقوق لدى الجميع، لأن المجتمع لا يكون ديمقراطيا إذا غابت المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية، وانتفت شروط تنزيلها على أرض الواقع، حيث إن الهدف من العملية الديمقراطية والانتخابية هو خدمة المواطن والرفع من مستواه المعيشي وتمكينه من حياة كريمة، وتنمية محيطه المحلي والجهوي بما يبعث الثقة والطمأنينة في نفسه تجاه مؤسسات بلاده. فالانتخابات ليست "غاية" في ذاتها، وإنما هي بداية لمسار طويل ينطلق من إقامة المؤسسات وإضفاء الشرعية عليها، ولا خيار إلا بإقامة مؤسسات ديمقراطية محلية و جهوية و وطنية ناجعة تكون في مستوى اللحظة التاريخية التي يجتازها المغرب في ضوء استكمال بناء مؤسساته الديمقراطية والوطنية. مؤسسات تعكس بحق المفهوم الأصيل لمبدأ الديمقراطية وثقافة حقوق الإنسان، مما يعطي ممارستنا الديمقراطية مصداقية أكثر ويجعلها أهلا لأن تكون نموذجا يحتذى به بالنسبة للدول الأخرى.