مؤخرا، وبإيعاز من الاتحاد العام لمقاولات المغرب، اجتمع في مدينة العيون أكثر من ستين مقاولا من أجل تفعيل مبادرات استثمارية، قد يبلغ تمويلها 6 مليارات درهم، في مشاريع كفيلة بخلق 10000 منصب شغل. مشاريع مبرمجة بكلميم وطانطان والعيون والداخلة وبوجدور، تخص أساسا إنتاج الإسمنت والمياه المعدنية والنسيج والفلاحة التحويلية، إضافة إلى وحدات خدماتية لإنعاش الحركة السياحية والتجارية. كما أن مشاركة وزارة الداخلية والسلطات المحلية والمنتخبين في منتدى الانطلاقة يعطي الدليل على أن الأطر الترابية ليست فقط خاضعة لمفهوم «رجال السلطة» بل مكونة من ثروة بشرية منتخبة ومعينة، معنية كلها بتجاوز الوصاية نحو المشاركة الفعالة في العمليات الاستثمارية! إلا أن المبادرات المقاولاتية لا بد لها من تحفيزات عمومية مغايرة لكل الامتيازات الريعية. فبأقاليمنا الصحراوية لازالت الحركية الاقتصادية المقاولاتية متأرجحة بين ندرة المبادرات الفردية والإكثار من المطالبة الاتكالية بالمساعدات العمومية. منذ استرجاع أقاليمنا الجنوبية، حظيت الاستراتيجية التنموية المندمجة بعدة منجزات مهيكلة للبنيات التحتية، لكنها لم تجد دائما آذانا صاغية وسواعد كافية محصنة بما يكفي من توجيهات حكومية إرادية، دافعة في اتجاه المنافسة الشريفة. التنسيق المنتظر بين مختلف المتدخلين في نفس المجال الترابي (الوالي، العامل، المجلس الجماعي، مجلس المقاطعة، الوكالة الحضرية، نيابات القطاعات الوزارية) يستدعي التفاعل مع عملية تخطيطية بعيدة عن إجبارية سوفياتية عفا عنها الزمن! لأن النهج الليبرالي الحقيقي مطالب بالتشاور المستمر والتناسق المتكامل بين مختلف المخططات القطاعية، في كل أبعادها الترابية وبين مختلف المخططات الجماعية التنموية التي باستثناء الدارالبيضاء لا نسمع عن بلورتها من طرف المجالس المنتخبة. أتذكر الاعتراف الشجاع لمدير سابق لوكالة تنمية الأقاليم الجنوبية، جاء فيه أن التدخل العمومي في هاته المناطق غالبا ما يأخذ صفة الإعانة المباشرة غير المجدية أو الخدمات المجانية المكلفة، مهتمة باحتكارات أنانية أو نزعات قبلية تعكر جو اللعبة التنافسية. في انتظار إعادة نظر جذرية في أسلوب توزيع «الكارطية» على آلاف المستفيدين، باستثناء العاملين المياومين في خدمات مفيدة، بعيدا عن اتكالية ريعية تحد من الإسهام الجدي في العملية التنموية المحلية. إضافة إلى كون إعفاء الأنشطة الاقتصادية من بعض الضرائب يغري بعض الشركات الوهمية التي لا تخدم الأقاليم الجنوبية، حين تكتفي بوضع عنوان «جنوبي» لمركزها الاجتماعي ثم ترحل إلى مناطق أخرى من أجل عملها الإنتاجي. في انتظار جهوية فعلا متقدمة! تمكن، انطلاقا من الأقاليم الجنوبية المسترجعة، حكامة ذاتية موسعة، تتويجا لكل ما قام به المغرب لجمع شمل كل أبنائه. هو ما يتوخاه التصور الإرادي للدستور الحالي، عندما أكد الفصل 143 أن «الجهة تتبوأ، تحت إشراف رئيس مجلسها، مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الأخرى». إن جهوية من هذا العيار كفيلة بإقناع الملاحظين والفاعلين الدوليين بالنية الصادقة للمملكة المغربية في تفعيل الحل النهائي لتدبير ذاتي، سياسي، اقتصادي، مالي واجتماعي لأقاليمنا الجنوبية. ختاما، رجوعا إلى فضائنا المغاربي، لنتخيل أن مواقف مغايرة من القيادة الجارة سايرت الحلول المغربية البناءة، وشجعت النهج العاقل والمتعقل... نحو تسيير ذاتي بأقاليمنا الجنوبية في ظل جهوية موسعة، لبناء اقتصادي اندماجه يخدم كل التراب المغاربي! بعيدا عن التيه السياسوي الجزائري الحالي!.