يبدو أن يوم الثامن من مارس لهذه السنة سيكون بألوان ( فاتح ماي ) ، وسيتم تخليده في أجواء أقرب ما تكون إلى أجواء التظاهرات العمالية ، يوم عيد الشغل ، حيث تصدح الحناجر بشعارات الاحتجاج والتظلم ، وترتفع الأصوات المطالبة بتحسين الأوضاع وتلبية المطالب. ذلك ما توحي به ، حتى على الأقل ، الخطوات واللقاءات والتحضيرات الجارية في أوساط الحركة النسائية وجمعيات المجتمع المدني وفعاليات سياسية . والهدف المحدد هو إنجاح المسيرة الاحتجاجية الحاشدة التي ستميز أجواء الاحتفاء بالعيد الأممي للمرأة هذه السنة . أما المبتغى من المسيرة فهذا ما تعبات الجهات المنظمة من أجل شرحه وتبليغه والتحسيس به عبر لقاءات تنظيمية يومية وحملة إعلامية للاستعداد والتعبئة. وبالطبع، فتنظيم مسيرة، الأحد القادم،والنزول مجددا إلى شوارع الرباط ، يحمل أكثر من دلالة ومغزى، ولا يحتاج إلى الخوض في دوافعه وإسبابه التي فرضت اللجوء إلى مثل هذه المبادرة كوسيلة لتوجيه الرسالة إلى السيد بنكيران وحكومته، ومساءلته عن حصيلة ما تحقق في مجال الحقوق والمطالب النسائية، وأين هو تنزيل مقتضيات الدستور ذات الصلة؟. معناه،أيضا ،أن ( 8 مارس ) لهذا العام لن يكون مجرد إحياء مناسبة، وتقديم الورود وتبادل التهاني والأمنيات،بل سيكون له طعم آخر كيوم نضالي، ترفع فيه المرأة والرجل معا ،صوتهما الاحتجاجي،والتأكيد على مواصلة العمل من أجل المساواة ومن أجل تجسيد القيم الديمقراطية على مستوى التشريع والممارسة ، وذلك من خلال جعل مسيرة يوم الأحد ( مسيرة بألوان الوطن ) و(مسيرة بثقافات الوطن ) ،كما أعلن المنظمون. وأن من السابق لأوانه الحديث عما ستظهر به هذه المسيرة ،من حيث الحجم والتنظيم والأطراف المشاركة، وعما يمكن أن يكون لها من أصداء وتأثير على الإحداث وعلى الشد والجذب القائم بين الحكومة ومجموع الفعاليات المناصرة للقضية النسائية، فإن هذه الأخيرة ( الفعاليات .. ) تنطلق من قناعتها بأن هناك أكثر من معطى يبرر ويستدعي التظاهر والاحتجاج، يوم الثامن من مارس . وقد يكون من مكر الصدف أن يأتي التأشير على قانون هيئة المناصفة ومكافحة التمييز ( في مجلس الحكومة، يومه الخميس ) عشية يوم 8 مارس ، وهو مشروع القانون الذي اعتبرته الكثير من المنظمات دون ما هو منتظر من إحداث مثل هذه الهيئة. فبعد أن تأخرت وزارة الحقاوي، زهاء سنة ونصف ،هاهي تأتي بمشروع بعيد عن التطلعات ،سواء بالنسبة لطريقة تكوين الهيئة، حيث يتولى رئيس الحكومة تعيين نصف عدد أعضاء اللجنة، أو بالنسبة لاختصاصات الهيئة التي ينحصر جلها في ( إبداء الرأي والاستشارة - بطلب من الحكومة أو أحد مجلسي البرلمان -) . وبجانب هيئة المناصفة والضعف الذي يطبع مشروع القانون المؤسس لها، هناك أيضا قانون مناهضة العنف ضد المرأة الذي كان قد تم ( اعتقاله )من لدن رئيس الحكومة ،وظل رهن اللجنة الوزارية ،لمدة غير قصيرة من دون أن يتم تصحيح هفواته . هذا فيما تشير معطيات دقيقة إلى التزايد المستمر للعنف المبني على الجنس بكل أشكاله وأنواعه . وهناك المعضلة الأخرى،التي تؤرق المغربيات والهيئات الحقوقية ، وهي الظاهرة الخاصة بتزويج الطفلات القاصرات التي لم تنفع أحكام المدونة في الحد منها بسبب التحايل على القانون وباستغلال المادة 16 من المدونة المتعلقة بثبوت الزوجية،الخ .. . وإذا كانت الوزيرة المكلفة بهذا القطاع ، ومعها الأنصار والأتباع ( من لونها السياسي )تسارع إلى الدفاع عن ( الحصيلة ) وعن ( الإنجازات) فإن مرافعات هذا الدفاع ليس ولن يكون في مقدورها إخفاء الوضعية والمشاكل التي تشكو منها المغربيات والتي يعرفها الجميع. وإن كانت مشاكل ومعاناة المرأة تمتد إلى ما يتجاوز مقتضيات المدونة وإلى ما هو أوسع من العلاقات الأسرية ،من قبيل حقها في مجال التربية والتعليم والولوج إلى الحياة العامة وعدم المساس بسلامتها الجسدية والمعنوية وتحقيق المواطنة والمساواة الكاملة للنساء وإزالة كل أشكال العنف المؤسساتي ضد النساء ... فمثل هذه القضايا الكبرى تبرز بشكل جلي عدم قدرة أو استعداد القطاعات الوزارية المعنية على العمل بالوتيرة الإصلاحية التي يقتضيها الوضع والتي رسم الدستور معالمها الكبرى، بل إن الخطورة اليوم تكمن في نوع من التعارض أو التناقض الذي يحصل بين التدبير الحكومي وبين مضامين أساسية لمكتسبات الخيار الديمقراطي ونهج التقدم والحداثة . ولعل هذا التعارض هو ما يفسر التأخر والتلكؤ المسجل في أداء الوزارات المعنية ،ولاسيما وزارة التضامن والمرأة والأسرة ، والذي يراد إخفاؤه ببعض ( المساحيق ) وحتى بتحريف بعض المفاهيم والالتفاف عليها ،كما يلاحظ حين الكلام عن ( الإنصاف ) بدل المناصفة ، وحين يتم تحويل إستراتيجية النهوض بالمرأة إلى خطة ( اكرام ) الخ... من هنا نجد أن هذه العناصر وغيرها كثير فيها كل ما يبرر ارتفاع صوت الاحتجاج النسائي المشروع ، سواء يوم ثامن مارس،أو في غيرها من الأيام ... لأن الأمر يتعلق بصوت الإصلاح والكرامة والحرية والمساواة ... صوت في مواجهة سياسة الجمود والتراجع عن حقوق النساء ومكتسبات المجتمع.