لازال الجدل مستمرا حول حكاية تأثير تراجع أسعار المحروقات على مستوى السوق الدولية، في أسعار المحروقات ببلادنا، حيث يبدي العديد من المراقبين والمتتبعين للسياسة الحكومية، في هذا الباب، استغرابهم من الطريقة التي اتبعتها الحكومة في التخفيض من هذه الأسعار، بالنظر إلى التهاوي الكبير الذي عرفه النفط الخام والمكرر في الدول المنتجة للنفط، وعدم احترامها لنظام المقايسة الذي فرضته على المغاربة بطريقة انفرادية تحت دعوى إصلاح صندوق المقاصة وتخفيف عبء الضغط المالي على خزينة الدولة التي تعاني من عجز مزمن منذ سنوات. ويأتي هذا الاستغراب مشبعا بعشرات التساؤلات حول استمرار مستوى أسعار بقية المواد الأساسية والاستهلاكية، في الارتفاع بالرغم من تراجع أسعار المحروقات، في الوقت الذي كان فيه منتظرا من حكومة بنكيران العمل بصدق وجدية وروح وطنية وبمسؤولية عالية على تدبير هذا المستجد الاقتصادي الهام، بما يحقق توازنا حقيقيا داخل السوق الوطنية ليس فقط من ناحية العرض والطلب، بل أيضا من جهة الالتزام بما يفرضه نظام المقايسة من إجراءات موازية على مستوى الأسعار بما يكفل استقرارا حقيقيا للقدرة الشرائية للمواطن. فلا مجال للشك إذن، أن حكومة بنكيران لم تتحمل مسؤولياتها في هذا الشأن، بل وسقطت في شرك التلاعب بأسعار المحروقات، بالنظر إلى أن ما تم الإعلان عنه من قبل وزارة الشؤون العامة و الحكامة من تخفيض لأسعار البنزين و "الديزيل" الأيام الماضية، لا يعكس بحسب محللين اقتصاديين وخبراء في المجال، حجم التخفيض في الأسعار المطبقة في الأسواق العالمية و لا يوازيها، وبالتالي أكدت مرة أخرى أنها بعيدة كل البعد عن الالتزام الحق والجدي، بما تعهدت به عندما شرعت في تطبيق نظام المقايسة ورفع الدعم الكلي عن المحروقات من احترام لحركة الأسعار داخل السوق العالمية، والعمل على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بتخفيض الأسعار في السوق الداخلية موازاة مع تراجع أسعارها في السوق العالمية. فما تم حتى الآن، لم يتعد إجراء تخفيضات ظلت في نظر المراقبين جد رمزية، حيث إن قيمة مجموع التخفيضات منذ سبعة أشهر لم تصل حتى إلى ما كانت حكومة بنكيران قد زادته في أسعار هذه المواد قبل أكثر من سنتين. فرغم أن أسعار المحروقات في السوق الدولية لا زالت تعرف انخفاضا لم يوازه انخفاض حقيقي في المغرب ، ولم يؤثر بالتالي على بقية الأسعار الأخرى، بناء على قاعدة تحرك أداء الأسعار في السوق المحلي صعودا أو هبوطا تبعا لأدائها في السوق الدولية.ورغم أن المستفيدين المباشرين من هذا التراجع هم أصحاب السيارات، الذين يشعرون بتأثير ذلك على ميزانيتهم،إلا إن الأسعار الأخرى المتصلة بالنقل والكهرباء والماء والمواد الاستهلاكية الأساسية وغيرها، لم تعرف انخفاضا موازيا في إطار نظام المقايسة، و ظلت على حالها. إن هذه التخفيضات الرمزية لأسعار المحروقات تكشف بوضوح عن الاستهتار الذي تمارسه الحكومة بعقول المغاربة، والتحايل عليهم والتلاعب بقدرتهم الشرائية، والاستمرار على نهج مصادرة حقهم في الاستفادة من نظام المقايسة خاصة عندما تعرف الأسعار انخفاضا حقيقيا على مستوى السوق الدولي والذي يفرض كما أشرنا من قبل انخفاضا موازيا، يخفف الضغط عنهم ويعزز من قدرتهم الشرائية، ويحقق توازنا ماليا واقتصاديا في حياتهم المعيشية. فحتى الآن لا زالت الحكومة مخلصة لسياستها اللاشعبية ولقراراتها الانفرادية ولمنطق التحكم والهيمنة ولعدم الوفاء بالتزاماتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية تجاه المواطنين وهي التي ظلت تربط فشلها وعجزها عن تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية وإقرار أسعار عادلة، بموجة ارتفاع المحروقات في العالم وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد الوطني . والمقاربة التي نهجتها الحكومة في تدبير الآثار الإيجابية لتراجع أسعار النفط في السوق الدولية، تستوجب منها إعلان إفلاسها في تدبير الشأن العام وعدم قدرتها على بناء سياسة اقتصادية ذات مصداقية من طرف المجتمع ، تأخذ بعين الاعتبار الأهداف الكبرى التي نص عليها الدستور بخصوص تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة، وترسيخ دعائم سلم اجتماعي حقيقي وضمان حياة كريمة وآمنة للمواطن المغربي.