أكد سعيد إهراي، رئيس المحكمة الدستورية، أمس الخميس بمراكش، أن إرساء ميكانيزمات الرقابة البعدية على دستورية القوانين، يجسد الالتزام الراسخ للمملكة المغربية من أجل تعزيز دولة القانون. وأضاف في كلمة خلال افتتاح أشغال ندوة دولية حول “الولوج إلى العدالة الدستورية.. الرهانات الجديدة للرقابة البعدية على دستورية القوانين”، المنظمة بمبادرة من المحكمة الدستورية بشراكة مع أكاديمية المملكة المغربية تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أن الرقابة البعدية على دستورية القوانين تعد آلية لحماية الحقوق الأساسية. واستعرض في هذا الشأن التطور الذي عرفته العدالة الدستورية منذ أول دستور لسنة 1962، بدأ من إرساء الغرفة الدستورية، ثم مجلس دستوري مستقل الذي ورث جميع اختصاصات الغرفة الدستورية إضافة إلى الرقابة القبلية لدستورية القوانين، قبل أن يتوج هذا المسار بإرساء المحكمة الدستورية سنة 2011. وأشار إهراي، إلى إن هذه الندوة، التي تعرف مشاركة رؤساء وأعضاء يمثلون المحاكم والمجالس الدستورية لأكثر من 60 دولة من مختلف القارات، إلى جانب رؤساء وأمناء الاتحادات القارية ذات الصلة فضلا عن مشاركة شخصيات مغربية مرموقة، تشكل جسرا للتعاون وتقاسم التجارب في هذا المجال، من جهته، أوضح المستشار الأردني، مرعي عمرو في مداخلة باسم الأمين العام لاتحاد المحاكم والمجالس الدستورية العربية تحت عنوان “الدفع بعدم الدستورية.. ممارسات وتجارب وطنية”، أن دستور 2011 للمملكة المغربية بإضافته اختصاص النظر في كل دفع يتعلق بعدم دستورية القانون يعد تحولا نوعيا في مجال الرقابة الدستورية بوصفها أساس دولة القانون، مضيفا أنه بموجب هذا الدستور أصبحت المحكمة تمارس الرقابة على دستورية القوانين بعد تنفيذها والعمل بها. وأبرز السيد مرعي أن المحكمة الدستورية أصبحت أيضا بموجب هذا الدستور تمارس اختصاصا هاما أسنده لها الدستور وهو البث في صحة انتخاب أعضاء البرلمان وعمليات الاستفتاء، مذكرا بأن الرقابة الدستورية القبلية والبعدية يقصد بها إقرار توازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وإحداث تعاون بينهما في إطار العمل بمبدأ دولة القانون وسيادته. وأشار إلى أن قرارات المحكمة الدستورية غير قابلة للطعن بأي طريق من الطرق بل هي ملزمة لجميع السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية، مؤكدا أن الرقابة على دستورية القوانين تعد أهم وسيلة لضمان حماية حقوق الأفراد وحرياتهم من أي تجاوز للسلطة. من جانبه، استعرض رئيس المحاكم الدستورية الأوروبية السيد رافيل ريشتسكي، تجربة جمهورية تشيكوسلوفاكيا المتجذرة في التاريخ لكون تاريخ إرساء المحكمة الدستورية بها يعود إلى سنة 1918، مؤكدا على أن الرقابة البعدية على دستورية القوانين يجب تشكل صلب أنشطة المحاكم الدستورية، وأن تكون العدالة الدستورية مستقلة. أما رئيس المحكمة الدستورية بجنوب إفريقيا رئيس المحاكم الدستورية بإفريقيا، السيد ماغونغ توماس ماغونغ، فأبرز من جهته، أن الولوج إلى العدالة الدستورية يقتضي وجود نظام مستقل للعدالة، داعيا إلى رفع كل الحواجز التي تقف في وجه العدالة الدستورية بإفريقيا وضمنها الفساد وانعدام الاستقلالية. من جانبه، ذكر رئيس اللجنة الأوروبية من أجل الديمقراطية، جياني بيكيشيو، بأن المغرب يعد أول بلد إفريقي ينخرط في لجنة فينسيا سنة 2007 ( اللجنة الأوروبية من أجل الديمقراطية)، وهي هيئة استشارية للمجلس الأوروبي تتكون من خبراء مستقلين في القانون الدستوري، ملاحظا أن هذه اللجنة أطلقت عدة مبادرات للتعاون مع المملكة المغربية، من خلال تنظيم ورشات ودورات تكوينية. وبعد أن أشار إلى أن هذا التعاون جد مثمر وواعد، أوضح جياني، أن المحاكم الدستورية مدعوة إلى الانفتاح على عموم المواطنين ووسائل الإعلام، مجددا دعم لجنة “فينسيا” للمملكة المغربية. ويأتي تنظيم هذه الندوة ، المنعقدة على مدى يومين، بمناسبة الذكرى الأولى على تنصيب المحكمة الدستورية. وتعتبر هذه الندوة ، حسب المنظمين، لحظة للتفكير بشأن الرهانات العملية المتعلقة بالرقابة اللاحقة على دستورية القوانين بوصفها آلية لحماية الحقوق الأساسية. كما تسعى المحكمة الدستورية من خلال هذه الندوة إلى ترسيم تقليد مستدام يتمثل في جعل هذه المناسبة موعدا منتظما للتفكير وتبادل أوجه النظر في الرهانات الكبرى للعدالة الدستورية. وتناول المشاركون في إطار جلسات عمل محاور تهم “الإحالة والقواعد المرجعية ” و”آليات الدعم ورقمنة المساطر..روافع للولوج إلى العدالة الدستورية”، و”المسارات المسطرية لولوج أفضل إلى العدالة الدستورية”، و”المتطلبات الدولية والوطنية في مجال النجاعة القضائية”، و”آثار القرارات المتخذة والأمن القانوني”، فضلا عن “مساهمة المنازعات الانتخابية في حماية الحقوق السياسية”.