دعت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلى خوض اضراب وطني عام في كافة القطاعات مع وقفة احتجاجية لكل المسؤولين النقابيين أمام مقر البرلمان يوم الإضرابوهي دعوة تنضاف إلى دعوة أخرى، للاتحاد العام للشغالين والفيدرالية الديمقراطية للشغل، في انتظار أن يلتحق الاتحاد المغربي للشغل بهذه الدعوة الجديدة، بقصد إحراج حكومة بنكيران ودفعها إلى التراجع عن بعض القرارات الماضية فيها، ومنها على الأخص قرار الرفع من سن التقاعد. الدعوة إلى الإضراب المنتظر وإن لم يتم تحديد تاريخ معين لذلك، تعتبر مؤشرا واضحا على أن العلاقة بين الحكومة وممثلي الطبقة العاملة بالقطاعين العام والخاص ليست على ما يرام. وخير دليل على ذلك موجة الإضرابات القطاعية المرتقبة التي يتم الإعداد لها من قبل النقابات القطاعية التابعة لمختلف المركزيات النقابية ذات التمثيلية النقابية داخل البرلمان، وهي الموجة التي تؤكد أن وصول الحوار بين الطرفين المعنيين الحكومة والنقابات، إلى الباب المسدود سيؤدي ولا شك إلى مرحلة جديدة من المواجهة، بسبب تعنت رئيس الحكومة ومضيه في تنفيذ أجندته الخاصة بتدبير الملفات الاجتماعية الأساسية بمنطق نيو ليبرالي متوحش، هدفه إنقاذ الميزانية العامة للدولة على حساب جيوب الطبقات الاجتماعية الفقيرة، كما هو الشأن بالنسبة لوصفته المتعلقة بإصلاح أنظمة التقاعد، وعمله على تكريس خيار الزيادة في سن التقاعد رغم المعارضة القوية للنقابات وعموم الموظفين. لاشك أن هذه الدعوة الصادرة عن ثلاث نقابات كبرى جاءت بعد أن استنفذت كل أساليب وطرق الحوار مع رئيس الحكومة الذي يبدو أنه اختار اقصاء النقابات من العملية التي يزعم أنها "جهد حكومي" من أجل إصلاح التقاعد وتسوية الملفات الاجتماعية العالقة، وبالتالي القفز عاليا على آليات الحوار الاجتماعي التي ظلت قرابة عقدين المسار الوحيد الكفيل بالتوصل إلى تفاهم حقيقي بين الحكومات المتعاقبة والنقابات حول طرق ومنهجية حل كل الخلافات والمشاكل بينهما وتسوية كل الملفات، في إطار من الشراكة والتوافق العام الضامن لقاعدة السلم الاجتماعي. إن مجرد الدعوة إلى الإضراب العام من قبل النقابات وإن كانت بعض الجهات المعادية للعمل النقابي، ستشكك في أسبابها ودوافعها في ظل ما يعيشه المشهد النقابي اليوم من تشتت وصراع بين أجنحته المعتدلة والمتشددة، يعني أن هناك خللا ما في علاقة الحكومة بمخاطبيها الاجتماعيين، وأن المسؤولية في ذلك تعود إليها بسبب عدم تفعيلها للمقتضيات الدستورية التي تنص على أن النقابة مكون أساسي من مكونات المجتمع وطرف لا محيد عنه في استتباب السلم الاجتماعي، ومخاطب وحيد في ما يتعلق بمدارسة كل المشاكل والملفات المطروحة، وبالتالي فإن أي محاولة للقفز عليها من جانب الحكومة أو تهميشها أومحاصرتها، تعتبر خرقا للدستور، ودفعا إلى تكريس واقع الاحتقان داخل الشارع الاجتماعي. فالإضراب العام يظل آخر وسيلة بيد النقابات ومن ثم فإن الدعوة إليه تعني أن هذه الأخيرة لم يعد بيدها أي مخرج من أزمة الحوار مع الحكومة سوى اللجوء إلى ورقة التصعيد للضغط عليها من أجل الجلوس إلى طاولة الحوار من جديد والتعاطي بجدية مع مطالبها واحترام مقتضيات الدستور في ذلك. فلا أحد يتمنى أن تصل الأمور إلى الباب المسدود، خصوصا في الوقت الذي لا تملك فيه بلادنا قانونا للإضراب ولا قانونا لتنظيمه، حيث إن شن إضراب عام معناه شل كل شرايين الحياة الاقتصادية ووقف الحركة في كل القطاعات، سواء كانت عمومية أو خاصة، والدفع نحو تأزيم الأوضاع أكثر الشيء الذي سيمني الاقتصاد الوطني بخسارات جديدة فادحة. إن ما نتمناه هو أن يحكم رئيس الحكومة العقل ويتحلى بشيء من الحكمة والرزانة في تعامله مع النقابات ومطالبها، وأن لا يلجأ إلى سياسة شد الحبل معها، في ظل ما تعرفه البلاد من أزمات اجتماعية وركود اقتصادي لافت، وضعف النسيج المقاولاتي المغربي وعجزه عن مواجهة المنافسة الخارجية، في ظل ما يشهده هو الآخر منمشاكل هيكلية ومالية وتدبيرية وتنافسية تحول دون تحقيق للأهداف التي جاء من أجلها،بسبب غياب التدبيرالعقلاني الاقتصادي ل "مؤسسة" المقاولة المغربية.