بدأ إحياء الثقافة الإسلامية في شرق ليبيا، الذي تسيطر عليه المعارضة، بعد عقود من القيود الصارمة التي فرضها الزعيم الليبي على العبادة. لكن علماء دين يقولون إن هذا لن يكون مصدرا جديدا للتطرف الديني كما قد يخشى الغرب. وباتت القيود على العبادة من التاريخ في شرق ليبيا منذ سيطرت عليه المعارضة المسلحة ويرى رجال الدين دورا أكبر للإسلام في البلاد إذا أسقط القذافي في نهاية المطاف. وفي ظل الحكم الشمولي للقذافي الذي يجمع بين الاشتراكية والإسلام كانت العبادة تخضع لقيود محكمة وكان أي مظهر من مظاهر الإسلام السياسي أو المتشدد يقابل بحملات أمنية عنيفة. لكن المجتمع الليبي ظل يتسم بالمحافظة الدينية ويجري الآن إحياء هذا من جديد في الشرق الذي تسيطر عليه المعارضة. وفي مؤشرات على انتشار المظاهر الدينية أطلق بعض أعضاء المعارضة المسلحة لحى أطول وتباع الكتب الدينية جيدا ويجري إعداد خطط لإقامة المزيد من المراكز لدراسة الشريعة وكل هذه الأمور تحت حكم القذافي كانت لتؤدي إلى الاعتقال والسجن. ويقول أسامة الصلابي، وهو رجل دين معروف وأستاذ للشريعة في بنغازي عاصمة المعارضة المسلحة، إن الوضع في ليبيا الحرة سيعود إلى طبيعته وهي الحالة الطبيعية لممارسة الدين في الحياة وفي أخلاق الناس وأساليبهم وعودتهم إلى المساجد. وعلى الرغم من غارات حلف الأطلسي على قوات القذافي ومدرعاته فإن مقاتلي المعارضة لم يستطيعوا إحراز تقدم كبير في قاعدة نفوذ القذافي بالغرب بعد أن فشلوا في أن يسددوا له الضربة القاضية في بداية الانتفاضة. ويقول سالم جابر، أكبر رجل دين في الشرق ورئيس الهيئة المشرفة على مساجده، إن تقدم المعارضة المسلحة البطيء في ميدان المعركة أفاد قضية الإسلام في ليبيا. وأضاف جابر أن الإسلاميين والعلمانيين يتقاربون للوصول إلى طريق وسط. وخططه لإنشاء المزيد من مدارس الشريعة والإقبال على إطلاق اللحى الطويلة والدعوات الجماهيرية للجهاد ضد القذافي قد تثير قلق البعض في الغرب حيث يرتبط الجهاد والمدارس الإسلامية بالتشدد الديني. وقال قائد أمريكي بحلف شمال الأطلسي الشهر الماضي إن معلومات المخابرات رصدت بعض عناصر القاعدة في صفوف المعارضة المسلحة. وقال جابر إنه لا يوجد ما يقلق الغرب لكنه اختار ما قد يبدو مثلا أعلى غريبا لدعم وجهة نظره فقال إن الناس يريدون إسلاما أقرب إلى المطبق في السعودية في إشارة إلى المذهب الوهابي. ويرى جابر أن الإسلام في السعودية لم يؤثر عليها سياسيا وأنه نجح في العالم الحديث. ويقول خبراء في الإسلام إن التفسير المتشدد للشريعة الإسلامية الذي يتبناه زعماء تنظيم القاعدة يستلهم المنهج السلفي أكثر مما يستلهم المذهب الوهابي. وقال شيوخ وهابيون في السعودية إن الهجمات الانتحارية تتنافى مع الإسلام. والعلامات على وجود السلفية في ليبيا تحت حكم القذافي ضئيلة وهي أقل منها في مصر أو المغرب كما أنه ليس هناك وجود مثبت لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي في ليبيا. وقال الصلابي إن فتح المزيد من المدارس لتدريس الشريعة سيقلل احتمال التطرف. وأضاف أنه حين يكون للعلماء دور في تعليم الناس وفهمهم للدين فلن يكون هناك تطرف أو إرهاب أو أفكار منحرفة. وسيكون من الصعب إعادة تعريف دور الإسلام في ليبيا الجديدة نظرا لمستويات التدين المتباينة بين الناس والقلق من التطرف الديني في الداخل والخارج. ومنذ تولي الزعيم الليبي الحكم عام 1969 فرضت قيود صارمة على الدين أو أي قضية أو فلسفة أخرى يمكن أن تخرج الليبيين عن سيطرة القذافي. وكان الإسلاميون من أبرز ضحايا حكمه المطلق. وقتلت قوات الأمن أكثر من ألف سجين عام 1996 في سجن أبو سليم بطرابلس وهو المعتقل الحكومي الرئيسي للمشتبه في أنهم إسلاميون متشددون فيما كان على الأرجح أكثر أعمال القمع دموية التي ارتكبها القذافي. وكان من الممكن أن تجلب اللحى الطويلة التي يطلقها الرجال المتدينون أو مجرد التردد على المساجد المتاعب. وقال الصلابي "كان القذافي يمنع الناس من ترديد الشعارات الدينية.. الله في المسجد فقط أما العالم الخارجي لا وإلا سيذهبون إلى السجن". وتعتزم المعارضة المسلحة في نهاية المطاف وضع دستور جديد يحل محل مبادئ الحكم التي وضعها القذافي. وكان أعضاء بالمجلس الوطني الانتقالي المعارض قالوا إنهم يريدون نظاما ديمقراطيا علمانيا وإجراء انتخابات حرة وهي التصريحات التي لاقت صدى لدى القوى الغربية التي ضغطت من أجل تدخل عسكري أجنبي ضد قوات القذافي. لكن الصلابي وجابر يؤكدان أن الشريعة الإسلامية ستلعب دورا رئيسيا في المجتمع الليبي بعد رحيل القذافي. وقال الصلابي إنه لن يكون هناك قانون يتعارض مع الشريعة لكن هذا لا يعني أنها ستكون دولة دينية. وأضاف أن الجدل بدأ بالفعل بين مسلمين متشددين ومعتدلين بشأن دور الإسلام في ليبيا بعد القذافي لكنه حتى الآن لم يؤد إلى توتر أو صراع. وقال إنه لا يوجد توتر بل خلافات عادية مضيفا أن هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها جدل من هذا النوع وأشار إلى أن الناس هم من سيحسمون هذا الجدل. ويقول جابر أيضا إن القرار لليبيين. وتابع قائلا إنه يجب أن يعكس الدستور تركيبة الشعب والشعب مسلم وبالتالي فان المطلوب هو أن تكون الشريعة مصدرا للدستور ثم يقترع الناس عليه وإذا كانوا يريدون تغييره فالأمر متروك لهم.