منذ تفعيل الجهات بالمغرب ونصيب الجهة الشرقية أن يترأسها أشخاص منتخبون وغير مقيمين بها، وإن كانوا ثلاثتهم ينتمون إليها، فالرئيس الأول مصطفى المنصوري كان وزيرا، وكان يسير الجهة الشرقية من الرباط أو يفوض أمره لبعض نوابه الضعفاء، ولا يحضر في غير الزيارات الملكية والدورات، والرئيس الثاني الطيب غافس كان بدوره وزيرا للصيد البحري وظل يسير الجهة الشرقية من الرباط ولا يحضر إلا لماما على شاكلة سلفه، بل وحتى بعد التعديل الحكومي الذي أخرجه من الحكومة، لزم موقع التسيير من الرباط وكان يقضي لياليه بأحد فنادق وجدة على حساب الجهة في الرحلات المكوكية التي كان يقوم بها لحضور أنشطة ملكية أو دورات مهمة لمجلس الجهة، وإن كانت قيمته المضافة غائبة، والرئيس الثالث علي بلحاج القادم من البيضاء والمنحدر من بركان بدوره بات يسير الجهة من البيضاء، ولا يحضر إلا نادرا، أو يستعين بخبرة مستشارين تسببوا له في أزمة مع نوابه، وبمجرد حضوره ودون استشارات سابقة، يتحدث عن تحركات لزيارة أقاليم الجهة، ويختار مدينة تاوريرت كأول مدينة لزيارتها وفق أجندة لا يعلمها غيره ونائبه المنحدر من المدينة، والذي لا زال يفكر في تعويض المحلات التي تسببت النيران في إحراقها، و لا زال يحلم بتعويض محلاته أولا ومعه بعض المقربين، وكأن الجهة تسير بالمزاجية والعشوائية.. وكأنه لا توجد هناك مدن أخرى في حاجة إلى مساعدات ودعم الجهة.. طبعا ليس عيبا أن يقوم مكتب الجهة بزيارات ميدانية لأقاليم الجهة للتعرف عن قرب على مشاكلها وحاجياتها، لكن وفق برنامج متفق عليه مسبقا ومحدد ومضبوط، وليس بالطريقة التي جعلت جل نوابه يرفضون الذهاب معه احتجاجا ربما على الطريقة التي تمت بها برمجة رحلة الغذاء.. خلاصة القول أن حظ الجهة الشرقية لم يتجاوز رؤساء يتحكمون في دواليب تسيير الجهة الشرقية عن بعد، وهو الأمر الذي لا يخدم في جميع الأحوال مصالح الجهة الشرقية، وباستقراء عدد الأيام والليالي التي قضاها الرؤساء السابقون بالجهة والتي لم تتجاوز الأيام المعدودات طيلة مدة الانتداب التي تدوم ست سنوات، يتجلى أن منتخبينا وناخبيهم الكبار لا زالوا يحكمون على الجهة أحكام قيمة تجعلها في صف غير صف محور الرباطوالبيضاء. المؤكد أن عصرنة الدولة والورش الكبير للجهوية الموسعة، سيكون على عاتقه تجاوز هذه الهفوات الكبيرة وتسيير الجهات عن بعد، مادام تصور الجهوية الموسعة التي يطمح إليها المغرب يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المغربية ومبادرة الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية للمملكة. ولاشك أن تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية يدشن لمرحلة جديدة في المسار الديمقراطي للمملكة ويشكل لبنة إضافية لإرساء أسس الحكامة الجيدة ودعم مسلسل التنمية المستدامة في مختلف جهات المملكة، لأن الجهوية الموسعة مشروع رائد ينتظر منه أن يشكل نموذجا للحكامة والتنمية، و أن يأخذ بعين الاعتبار التاريخ العريق للمغرب ويستشرف المستقبل بمفهوم مغاير لما كانت تسير يه أمور الجهات سابقا، مع الاستفادة من تجارب عدد من البلدان التي سبقتنا في هذا المجال كإسبانيا وفرنسا وإيطاليا. إن المفهوم المتوخى من الجهوية الموسعة يصبو حقيقة إلى تفعيل الجهوية وخدمة التنمية بعقلية النخب الجديدة، وبخصوصيات مغربية، مع التفكير الرصين في مختلف الصلاحيات التي ستمنح للجهات في إطار المرتكزات الأربعة التي وردت في الخطاب الملكي، وهو ما يعني القطيعة مع المدارس القديمة والنسخ المشين لأي نموذج قد يبعد التصور عن الخصوصيات المغربية ويفرغه من محتواه.. لأن المطلوب من اللجنة المعينة هو إعداد تصور جديد حول الجهوية في المغرب كنمط جديد للحكامة سواء على المستوى المجالي أو الترابي، باعتبار أن الخطاب التاريخي لجلالة الملك وضع مخططا منهجيا للعمل وسطر المحددات والأولويات للتصور الجديد للجهوية. ترى هل يستفيد الرئيس الجديد من المفهوم المرتقب على الأقل إلى أن يدخل تصور الجهوية الجديد حيز التنفيذ، أم أنه سيواصل تسيير الجهة الشرقية بجهاز تحكم عن بعد؟ هذا ما سوف تكشف عنه الأيام القادمة.