أكد الملك محمد السادس أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية «تجربة مغربية من صنع المغاربة ومن أجل المغاربة»... وأضاف الملك، في رسالة وجهها لمنتدى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، الذي افتتح أشغاله أمس الاثنين في أكادير، تلاها على المشاركين وزير الداخلية الطيب الشرقاوي، أن هذه المبادرة «التي حرصنا على أن نضفي عليها روح المواطنة المغربية المسؤولة، سواء في مقوماتها أو في تصورها الأصيل، لَتُعدُّ تجسيدا للنموذج التنموي المغربي المتميز ودليلا قاطعا على قدرة بلادنا على الإبداع والعمل على تدارك العجز الاجتماعي وتشجيع الأنشطة المدرة للدخل وتقديم المساعدة للأشخاص في وضعية صعبة». وأوضح الملك أن هذه المبادرة، التي تستمد جذورها من الثقافة المغربية الأصيلة، التي قوامها التكافل والتضامن، ترتكز على نهج استراتيجي متكامل، من شأنه أن يُمكِّننا من رفع التحديات الكبرى، التي تواجه البلاد في الميدان الاجتماعي. وأبرز الملك أنه، اعتبارا لما تقوم عليه هذه المبادرة من منظور خلاق ومقاربة تشاركية غير مسبوقة، فقد مكنت من تسريع وتيرة التحولات الاجتماعية داخل المجالات المستهدفة ومن تمكين السكان من أسباب العيش الحر الكريم وإشاعة الثقة في المستقبل. وبعد أن ذكر الملك أنه مما يضفي على هذا المنتدى أهمية خاصة كونه ينعقد بعد خمس سنوات من إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وقبيل انطلاق الشطر الثاني منها للفترة ما بين 2011-2015 سجل أن هذه التجربة الرائدة مكنت من إطلاق ما يزيد على 22 ألف مشروع تنموي، لفائدة 5 ملايين شخص، بغلاف مالي فاق 10 ملايير درهم وخلق ما يزيد على 3400 من الأنشطة المدرة للدخل، وفَّرت 40 ألف منصب شغل ومكنت من الإدماج الفعلي للأشخاص المعوزين في عملية التنمية الاقتصادية. كما ساهمت هذه المبادرة -يضيف الملك- في إعطاء دينامية جديدة للنسيج الجمعوي المحلي، حيث تواكب هذه المشاريع التنموية ما يناهز 5 آلاف جمعية. وبالرغم من أهميتها، يقول الملك، فإن هذه الإنجازات الملموسة، «لا تحجب عنا بعض أوجه القصور، الملازمة لأي تجربة جديدة ولكل مشروع كبير». وقال الملك في هذا الصدد: «من هنا يأتي حرصنا على تعهدها بالمتابعة الميدانية للمبادرة وتقويمها باستمرار، في مختلف مراحلها، لتحسين برامجها واندماج مشاريعها وإزاحة ما يعترضها من معيقات». وبموازاة ذلك، أهاب الملك بكل الفاعلين المعنيين بالتنمية البشرية، أن يوحدوا الجهود، من أجل توطيد التضامن الاجتماعي والمجالي وتدعيم تكامل السياسات والبرامج الاجتماعية القطاعية وضمان استمرارية المشاريع المحدثة، وكذا تعزيز مؤهلات النسيج الجمعوي، حفاظا على مقومات هذه المبادرة وأهدافها. وأكد الملك محمد السادس أن المغرب يجدد التأكيد على التزامه بالعمل على إقامة اقتصاد مستديم، يتّسم بالمسؤولية ويضمن، بشكل أفضل، التنمية البشرية ورفاهية الإنسان، في احترام تام للبيئة. وقال الملك إن نهج الشراكة وتبادل الخبرات والتعاون جنوب -جنوب تُعدّ آليات رئيسية لانبثاق حلول جديدة، كفيلة بتحقيق التنمية البشرية. وأضاف أن المغرب، باحتضانه هذا الملتقى الهام، إنما يؤكد التزامه وعزمه على العمل من أجل تحقيق إشاعة قيم العدالة والإنصاف الاجتماعي، من خلال النهوض بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وأكد الملك أن اختيار منتدى أكادير للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية كمحور أساسي من محاور النقاش، يعد فرصة سانحة لإضفاء نفَس جديد عليها، عبر تدارس وبحث الإشكاليات الأساسية المرتبطة بها، على ضوء التوصيات التي انبثقت عن الاجتماعات الجهوية، التي تم تنظيمها طيلة الخمس سنوات الأخيرة. وأوضح أن هذه الإشكاليات تتعلق، أساسا، بكيفية استهداف السكان والمناطق المعنية. بتقوية الأنشطة المدرة للدخل وبتعميم المقاربة التشاركية وكذا بتدعيم دينامية التكامل والتجانس والدور الذي ينبغي أن تنهض به الجهات والسلطات الترابية في تحقيق رفاهية المواطن. ويشهد المنتدى الدولي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية مشاركة أزيد من 1700 شخصية، من بينهم حوالي 300 أجنبي من أوربا وإفريقيا وآسيا وأمريكا، أربعون منهم يتولون مسؤوليات حكومية سامية. ويعكف المشاركون في هذا المنتدى، الذي استمر يومين، على بحث حصيلة خمس سنوات (2005-2010) من إنجازات القرب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والرياضية، والتي كلفت غلافا ماليا إجماليا يتجاوز 10 مليارات درهم. وخلال اليوم الأول من أشغال هذا المنتدى، بحث المشاركون ثلاثة محاور موضوعاتية تهم كلها التنمية البشرية، حيث تطرقت الجلسة الأولى، التي ترأسها عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، بمشاركة دومينيك ستراوس، المدير العام السابق لصندوق النقد الدولي، على الخصوص، الذي تطرق للأثر الإيجابي لسياسات التنمية البشرية على مسلسل توزيع الثروات. وتناولت الجلسة الثانية، التي ترأسها مصطفى الباكوري، رئيس الوكالة المغربية للطاقة الشمسية، والتي شارك في تنشيطها لويس سولاري، الوزير الأول البيروفي الأسبق، العلاقة الجدلية بين برامج التنمية البشرية والحفاظ على البيئة، في إطار سياسات للتنمية المستدامة.