لا أحد يجادل اليوم في ان الاقلاع الاقتصادي للدول وتحقيق نموها في جميع المجالات لا يمكن ان يتحقق بدون وضع خطة استراتيجية لتكوين يد عاملة مؤهلة في كل التخصصات الصناعية والتكنولوجية والاسراع بفتح تكوينات متختصة بذلك. فكل الصناعات الحديثة تعتمد على اخر ما توصل اليه العلم في اختراعاته وابتكاراته وبالتالي لابد من مسايرة كل هذه المستجدات في هذا المجال والا فالتقدم لن ينتظر احدا ابدا ان لم يتم تطوير اليات الاشتغال للوصول اليه. ومن هذا المنطلق ، لابد من وضع عدة علامات استفهام حول المجال التربوي والتكويني ومدى مسايرته لكل التطورات التي يعرفها العالم في مجال التكوينات. ومن اهم الاسئلة التي يفرضها الواقع ، نجد : *هل من علاقة بين المجال التربوي والتكوين المهني؟ *ما هي مستويات التكوين في مجال التكوين المهني ؟ *ما مدى مسايرة التكوين المهني للتطورات الصناعية الحديثة ؟ *هل من افاق التشغيل بعد التكوين في مختلف مراكز التكوين المهني ؟ *هل من مكانة لليد العاملة غير المؤهلة في مقاولة اليوم والغد ؟ *كيف يمكن ان نطور التكوين في مجال التكوين المهني ؟ الى غيرها من الاسئلة التي يمكن ان تجعلنا نولي اهتماما بالغا بكل مجالات التكوين التي يتطلبها هذا العصر. لعل المتتبع لمجالي التربية والتكوين منذ صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين وبعده البرنامج الاستعجالي وصولا الى التدابير ذات الاولوية ، سيرى مدى الاهتمام المتزايد على ربط هذين المجالين المتكاملين ومحاولة ربط الجسور بينهما منذ مدة من الزمن. فالتوجيه الى التكوين المهني كان يتم على مستويات اربع : مستوى التخصص ومستوى التأهيل زيادة على مستويين اخرين ، يخصان تلاميذ مستوى البكالوريا والحاصلين عليها ، و يتم بوضع طلب التكوين مباشرة بالمراكز المختارة . لكنه حاليا ، وبعدما اصبحت الوزارة : وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ، فقد تم احداث التكوين المهني الاعدادي الذي سيبدأ التكوين به انطلاقا من الموسم الدراسي 2015/2016 ، والذي سيشمل التكوين في مجالي السياحة والفندقة و الصناعة التقليدية الانتاجية زيادة على البكالوريا المهنية في عدة مجالات : الفلاحي والصناعي والخدماتي. فهنا لابد من مسايرة كل المستجدات الصادرة عن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني من قبل كل المتدخلين والاطلاع على كل المذكرات الصادرة في موضوع البكالوريا المهنية وكيفية التوجيه واعادة التوجيه منها واليها لكي لا تضيع هذه الفرص على التلاميذ الراغبين في التكوين بها. كل هذا يدفعنا للاهتمام اكثر بهذا المجال الحيوي والتعريف به على مستوى كل الاصعدة ، مستغلين كل الوسائل المتاحة لذلك ، وذلك للتعريف بها وتوضيح افاقها التشغيلية بعد التكوين، وذلك لما له من خير عميم على كل الراغبين في التكوين في كل هذه التكوينات المتنوعة والمتخصصة . ان دخول صناعة السيارات والطائرات ومختلف الصناعات التكنولوجية الحديثة الى عدة بلدان ، ومنها المغرب ، كل ذلك يجعلنا نفكر مليا في تكوين الشباب في هذه الصناعات ، عوض البحث عن يد عاملة مؤهلة مستوردة وذلك لما سيوفره ذلك من فرص الشغل و اقلاع تنموي ورفع معدلات النمو وتقليص من معدلات البطالة. كل هذه الافاق ستجعلنا حتما نغير نظرة من ينظر الى مجال التكوين هذا نظرة غير التي يستحقها .فالدبلوم الاكاديمي وحده اليوم ، وفي كافة البلدان ، غير كاف وحده لاقتحام عالم التشغيل ومن هذا المنطلق جاء ربط التعليم بالتكوين . وما الجسور التي اصبحت ممكنة بين التعليم والتكوين الا حافزا اخر للتشجيع على التكوين بالإضافة الى امكانية التحاق خريجي معاهد ومراكز التكوين بالمؤسسات العليا من مدارس ومعاهد وكليات مختصة في المجال. فالجامعة اليوم اصبحت واعية كذلك بهذا الترابط الوثيق بين التكوين الاكاديمي و المهني وذلك من خلال خلق كل سنة لعدة اجازات مهنية والما سترات في عدة تخصصات ، بما فيها ماسترات متخصصة ، زيادة على ديبلومات المدارس العليا للتكنولوجيا وشهادة التقني العالي ، هذا بالإضافة الى مخرجات المدراس والمعاهد العليا والكليات المتخصصة . ان تطوير مجال التكوين المهني واعطاءه المكانة اللائقة به يتطلب انخراط كل الشركاء في المجالات المرتبطة به مع وضع استراتيجية خاصة بتطوير ه. وما جاء به الخطاب الملكي السامي في ذكرى عيد العرش المجيد الا تشجيعا لمجال التكوين المهني وما يوفره من يد عاملة مؤهلة ومختصة ومن فرص عمل متنوعة في عدة اختصاصات. فقد جاء في خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في ذكرى عيد العرش المجيد : "…وبطبيعة الحال فإن بعض المواطنين لا يريدون التوجه للتكوين المهني لأنه في نظرهم ينقص من قيمتهم، وأنه لا يصلح إلا للمهن الصغيرة، بل يعتبرونه ملجأ لمن لم ينجحوا في دراستهم. فعلينا أن نذهب إليهم لتغيير هذه النظرة السلبية، ونوضح لهم بأن الإنسان يمكن أن يرتقي وينجح في حياته دون الحصول على شهادة الباكالوريا. كما علينا أن نعمل بكل واقعية من أجل إدماجهم في الدينامية التي يعرفها هذا القطاع. فالمغاربة لا يريدون سوى الاطمئنان على مستقبل أبنائهم بأنهم يتلقون تكوينا يفتح لهم أبواب سوق الشغل. وبما أن التكوين المهني قد أصبح اليوم هو قطب الرحى في كل القطاعات التنموية، فإنه ينبغي الانتقال من التعليم الأكاديمي التقليدي إلى تكوين مزدوج يضمن للشباب الحصول على عمل. وفي هذا الإطار، يجب تعزيز معاهد التكوين في مختلف التخصصات، في التكنولوجيات الحديثة، وصناعة السيارات والطائرات، وفي المهن الطبية، والفلاحة والسياحة والبناء وغيرها. وبموازاة ذلك يجب توفير تكوين مهني متجدد وعالي الجودة، ولا سيما في التخصصات التي تتطلب دراسات عليا. ومما يبعث على الارتياح، المستوى المشرف الذي وصل إليه المغاربة في مختلف التخصصات المهنية. وهو ما جعل بلادنا تتوفر على يد عاملة ذات كفاءات عالية، مؤهلة للعمل في مختلف المقاولات العالمية، خاصة منها التي تختار المغرب لتوسيع استثماراتها وزيادة إشعاعها…" من خطاب العرش المجيد – 30 يوليوز 2015-" فالتكوين المهني يعطي فرصة الانتقال من مستوى الى اخر في التكوين وذلك لتطوير الكفاءات والامكانيات الذاتية لتأهيل المتدربين وخلق منهم يدا عاملة مؤهلة ذات كفاءات عالية في كل مجالات سوق الشغل مما يؤثر ايجابا على كل قطاعات التنمية بالبلد. محمد بكنزيز اطار في التوجيه التربوي غشت 2015