في ظل الإصلاحات الأخيرة التي عرفتها المنظومة التربوية المغربية، والتي توجت منذ سنة 1999 بصدور الميثاق الوطني في أعقاب أشغال اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين، رفعت السلطات التربوية شعار إصلاح نظام التربية عن طريق اللامركزية واللاتمركز تجاه الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، والنيابات، والمؤسسات التعليمية. وبسبب سياق إصلاح التربية هذا في المغرب، ومن أجل دعم إصلاح المنظومة التربوية من خلال تقوية القدرات المؤسساتية في نظام التربية، لجأت السلطات التعليمية المغربية إلى الخبرة الكندية في مجال التدبير الإداري منذ بداية الألفية الثالثة، وذلك عبر تجربتي "بروكاديم" (procadem) و"جماعات الممارسات المهنية" ( cpp). - مشروع "بروكاديم" (procadem) والتدبير التشاركي: يندرج هذا المشروع ضمن الأولويات الوطنية للمغرب، ويروم دعم القدرات المؤسساتية للمنظومة التربوية المغربية، وتنفيذ لامركزية ولاتمركز النظام التربوي بالبلاد، وقد جاء هذا المشروع في إطار الأولويات الاجتماعية للمساعدة الكندية، والمشاورات التي أجرتها الوكالة الكندية لتنمية الدولية (acdi) مع السلطات التربوية المغربية، تمخض عن هذه المشاورات ضمان حضور كندي قوي في قطاع التربية الوطنية منذ شهر يونيو 2002. إذ خلال موسم 2005/2006، قامت الوكالة الكندية للمصاحبة (aca) بإنجاز خطة تنفيذية ومخطط عمل سنوي ( pta ) والمصادقة عليهما. إن هكذا مشروع قدم على أنه يتغيا تحديث الممارسات التقليدية التي كانت سائدة في المنظومة التربوية، وذلك في سياق اللامركزية واللاتمركز، وذلك عبر انتهاج الأسلوب التشاركي حسب الاتفاق المبدئي بين الطرفين المغربي والكندي. إذ بدت هذه المقاربة آنذاك الأكثر ملاءمة لتعبئة العاملين بقطاع التربية والتكوين وحفز إبداعية الأشخاص المعنيين بتدبير التربية في المغرب. مع مطلع سنة 2006، وفور وصول المستشارين التقنيين الكنديين إلى الميدان، شرع في إنجاز خطة العمل السنوية بتشاور مع المديريات المركزية بقطاع التربية الوطنية، والأكاديميات الجهوية، وممثلين عن النيابات والمؤسسات التعليمية. تلا ذلك دورة تكوينية استفاد منها ثلاثمئة (300) مكون وطني انيطت بهم مهمة تكوين 12 ألفا من مدبري المنظومة التربوية ابتداء من ماي 2007، ويندرج الهدف العام من هذه العملية ضمن غاية مشروع دعم القدرات المؤسساتية للمنظومة التربوية المغربية في تنفيذ لامركزية ولاتمركز نطام التربية في المغرب (procadem)، أي تعزيز قدرات المدبرين على تسيير التربية بالبلاد. - مشروع ( pagesm) و"جماعات الممارسات المهنية" ( cpp): استمرت استعانة السلطات التربوية المغربية بالخبرة الإدارية الكندية لتتوج هذه المرة بمذكرة تفاهم بين حكومة المملكة المغربية وحكومة كندا بتاريخ 27 يناير 2011. تفاهم انبثق عنه المخطط التنفيذي لمشروع دعم تدبير المؤسسات التعليمية بالمغرب المعروف اختصارا ب( pagesm). المخطط اعتبر وثيقة مرجعية لمختلف تدخلات الأطراف المعنية وإطارا منهجيا لإعداد خطط العمل السنوية، ويروم استكمال إرساء بنيات التدبير التشاركي وتفعيل مهامها، وإرساء بنية جديدة اصطلح عليها "جماعات الممارسات المهنية"( cpp) لتشبيك أفقي لمديرات ومديري المؤسسات التعليمية على مستوى نيابات وزارة التربية الوطنية. ويهدف مشروع دعم تدبير المؤسسات التعليمية بالمغرب ( pagesm) – كما تم تقديمه – إلى تحسين جودة التربية الأساسية للمتمدرسات والمتمدرسين بجميع مؤسسات التعليم العمومي بالمغرب، ويتمحور حول منهجية "مشروع المؤسسة" من قبل المديرات والمديرين. وتتكون كل جماعة ( cpp) مما يناهز 20 مديرا ومديرة، يمثلون الأسلاك التعليمية الثلاث: الابتدائي والإعدادي والتأهيلي، يتم إحداثها انطلاقا من المناطق التربوية أو الأحواض المدرسية، وبخصوص تنشيط جماعات الممارسات المهنية فيتم من قبل منسقات ومنسقين يختارهم زملاؤهم مديرات ومديرو المؤسسات التعليمية، بعد تزكيتهم من لدن النائب(ة)، ويصاحبهم ميدانيا مواكبون تم اختارهم من بين المفتشات والمفتشين. إلا أن تجربة "جماعات الممارسات المهنية"( cpp) بدأت بداية متعثرة وتتخللها مجموعة من الإشكالات نذكر منها: تعيين منسقي الجماعات من طرف النيابة بدل انتدابهم من طرف زملائهم؛ الدور الجديد للمفتش(ة) المواكب(ة) والمتمثل في مجرد المصاحبة وإبداء الرأي والاقتراح كلما طلب منه ذلك، والتخلي عن أدواره الاعتيادية من إشراف وتقويم… عدم توفير وسائل العمل اللازمة لتفعيل عمل الجماعة؛ ضبابية الإطار القانوني للمنسق والمواكب على حد سواء داخل الجماعة؛ صعوبة ضبط التواصل بين المنسقين المواكبين في ظل تداخل المهام… خاتمة: مما سبق، تظهر جلية بصمة التجربة الكندية على المنظومة التربوية المغربية في مجال التدبير الإداري بالمؤسسات التعليمية، من خلال اعتماد مشروعي "بروكاديم" (procadem) للتدبير التشاركي ومشروع ( pagesm) لإرساء "جماعات الممارسات المهنية" ( cpp)، ولعل خبرة كندا في هذا المجال تنسجم مع الاختيارات الاستراتيجية لوزارة التربية الوطنية، لدرجة يمكن معها اعتبار أن الإدارة المدرسية المغربية باتت ذات مرجعية كندية بامتياز. الإدارة المدرسية المغربية والمرجعية الكندية: من "بروكاديم" إلى جماعات الممارسات المهنية .