"فلما حضروا، حَكَمَ عُمَر أن يَضْرِب الغلام ابن عمرو بن العاص كما ضربه، وقال له: "اضرب ابن الأكرمين" زاوية القراءة: كنت ومازلت أتصور، أن مشكل التعليم في بلادنا هو مصب الإخفاقات السياسية، ومجال انتحار كل الشعارات والخطابات التي ادعت تصحيحه وإصلاحه؛ فهو مجال معقد البنيات، تتناطح عليه النوايا، وتتصارع حوله الإيديولوجيات بشكل غير معلن. فليس من باب الصدف أن تصبح حقيبة وزارة التربية الوطنية إحدى الحقائب السيادية التي تطالب بها الأحزاب السياسية عند ميلاد أي تجربة حكومية جديدة، بل وتصبح هذه الحقيبة محط صراع عليها، وكأن "لعنة الآلهة" أصابت فقط هذه الوزارة بالعَوَرِ والخلل وتركت باقي الوزارات في نعمة ما بعدها نعمة، وبحبوحة ما بعدها بحبوحة.. باختصار، اللغة واضحة: امتلاك حقيبة التربية والتكوين، هو امتلاك للقرار التربوي وللسياسة التعليمية، وتحكم في المناهج والبرامج بما يخدم مصالح مهندسي الخريطة الذهنية، وضمان لولوج آمن إلى مطبخ صناعة النخب التعليمية من نخب ونواب ومدراء أكاديميات ومصالح مركزية، ممن سيبقون بطبيعة الحال في هذه المناصب في حالة ما إذا رحل نهار هذا الحزب عن الخريطة السياسية، أو فشل التفاوض على وزارة التعليم في تعديل حكومي أو في انتخابات أخرى. بمعنى مدرسي، إن التحكم في المؤسسة الإدارية للتعليم، هو رغبة في تأكيد البقاء بعد الرحيل، وعقد عزم على التحكم في صناعة القرار التربوي بما يخدم بقاء العلاقات الاجتماعية السائدة وأقطاب التحكم. أستحضر هذه القناعة في سياق بات فيه التعليم اليوم حقا واجبا من حقوق الإنسان، يفترض أن يدرج بجدية خارج أي مقام مناسباتي على رأس جدول الاشتغال السياسي، بهدف بناء الشروط الواقعية لنهضة حقيقية تحقق العدالة الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي بعيدا عن منطق المزايدة والاستثمار المناسباتي. توصيف النازلة: أنطلق في هذا المقام، من متابعتي الخاصة للوضع التعليمي والنقابي بالجهة، خصوصا إقليمالرشيدية الذي امتنع فيه تسعة عشر أستاذا للثانوي الإعدادي بمؤسستي القدس بالراشدية ومولاي يوسف بأرفود عن مراقبة الدورة العادية لامتحان الباكلوريا في الموسم الدراسي الماضي؛ في الوقت الذي أصدرت في الوزارة الوصية على القطاع مذكرة رقم 3717-3 بتاريخ30 مايو 2013 في موضوع: "في شأن حراسة امتحان الباكلوريا من طرف أساتذة الابتدائي وأساتذة التعليم الثانوي الإعدادي". نتذكر ما أثاره صدور هذه المذكرة من هواجس وتساؤلات حول مدى قانونية حراسة أساتذة الابتدائي والثانوي الإعدادي خارج إطارهم الأصلي، خصوصا وأن بعض النقابات التعليمية الإقليمية بالمغرب دعت في بيان لها الأساتذة المعنيين فور صدور هذه المراسلة الوزارية إلى مقاطعة حراسة امتحانات البكالوريا، والاكتفاء بحراسة الامتحانات في السلكين الأصليين، بعد توصل الهيئات النقابية بمجموعة من الشكايات بخصوص تعرض أساتذة الثانوي الإعدادي للاستفزازات وللتهديدات بسبب قيامهم بمهام الحراسة في الدورة يونيو(الأولى)؛ "وتذمرهم من غياب الدعم من الجهات المسؤولة حيث يبقى الأستاذ المتضرر الوحيد في مواجهة المشكلة لوحده متنقلا من مقر سكناه إلى السلطات من أجل طلب الحماية، مما يؤثر سلبا على استقراره النفسي والاجتماعي"، إضافة إلى إرهاق الأطر التعليمية بتكاليف إضافية في ظل وجود فراغ قانوني، علما أن المقرر التنظيمي الوزاري ينص على أن توقيع محضر الخروج لهيئة التدريس هو العاشر من يوليوز. تساؤلات: هل هؤلاء الأساتذة التسعة عشر هم فقط الذين امتنعوا عن مراقبة الدورة العادية لامتحان الباكلوريا خلال الموسم الدراسي السابق (2012-2013)؟ لماذا تم إصدار هذه المراسلة في هذه السنة بالذات؟ وكأن حراسة الباكلوريا لم تكن في السنوات السابقة؟ ألم يكن يُلجأ إلى أساتذة الابتدائي والثانوي الإعدادي لحراسة الباكلوريا فيما سبق؟ ما السر الذي جد هذه السنة؟ متى تعتمد الإدارة على أساتذة الإعدادي أو الابتدائي في مراقبة الباكلوريا؟ وهل إتباع هذا الإجراء -على صعيد كل مؤسسات الرشيدية والبلاد حتى ولو من باب التناوب على المراقبة سنة بعد أخرى- إداري مائة في المائة؟ تقول القاعدة الشائعة: "لا يعذر المرء بجهله للقانون" أو "القانون لا يحمي المغفلين" بهذا المقياس أتصور أن الذي يضع القانون يعرف مداخله ومخارجه وثغراته، وبالتالي لن يكون مغفلا كي يقع فيه، لأنه ببساطة هو من وضعه.. تأسيسا على هذا الافتراض، ستكون الوزارة على حق في مراسلتها الوزارية لأن شؤونها القانونية والإدارية أفْقَهُ بمثل هذه الأمور. إذا كان الأمر كذلك، لماذا تدعو النقابات الشغيلة إلى مقاطعة الحراسة حسب البيان المذكور؟ ألا تدرك تداعيات مثل هذه الدعوات؟ أم إن المقاطعين للحراسة اتخذوا هذا القرار بدون الرجوع إلى النقابات؟ هل هذه المقاطعة حدثت فقط في الرشيدية وفي المؤسستين المذكورتين؟ ألم تحدث في نيابات أخرى؟ أما كان حريا بالإدارة الإقليمية أن تتحلى بالتريث الإنساني اللازم، مادامت تملك من الخيارات المتاحة لتغطية الحراسة وعدم صناعة أزمة من هذا القبيل؟ ما السر وراء هذه السرعة في اتخاذ الإجراءات العقابية التي وصلت إلى حد قطع الأرزاق في فترة زمنية حساسة ودالة؟ هل يطبق القانون على جميع المخالفين والمخلين بالتزاماتهم المهنية في الرشيدية؟ أم إن الأمر يتعلق بامتحان يحكمه الهاجس الأمني؟ أم إن نيابة الرشيدية أكثر عدلا وعُمَرٍيَة في تطبيق القانون؟ أيا كانت التساؤلات المُرَفْرفة في هذا المقام، فإني أستغرب من هذه المفارقة الغريبة التي بات تحكم الزمن السياسي التعليمي بالمغرب، وكأن وزارتنا أكملت دينها وأتممت نعمتها على شغيلتها وأنصفتها في الترقية والانتقال وفي باقي المطالب الاجتماعية حتى "تقيم الحد" ! مرة أخرى نتساءل: لماذا لم تسرع الوزارة في تطبيق المساطر القانونية الجاري بها العمل في حالات الموظفين الأشباح لما له من أثر سلبي على المال العام، وعلى تقليص نسبة استفادة نساء ورجال التعليم من الحركات الانتقالية؟ وهل حاسبت المسؤولين المتسترين على الأشباح. وهل قامت الوزارة بافتحاصات وتفتيشات إدارية ومالية وتربوية لجميع الأكاديميات والنيابات، وأعلنت نتائجها للعموم تجنبا لأي اتهام بالانتقائية، وتأكيدا للشفافية ونشر المعلومة؟ وبالنظر إلى مطلب بعض الهيآت النقابية والجمعوية، هل تم فتح تحقيق قضائي في البرنامج الاستعجالي لتأمين المال العام مستقبلا، وإعطاء إشارات قوية على محاربة الفساد انسجاما مع شعار ربط المسؤولية بالمحاسبة ؟ المعادلة صعبة ومُرْبِكَة: هناك واقع بتنا نعيشه وبكل أسف مفاده: لا قدرة للمسؤولين وللمؤسسات التي ترفع شعارات محاربة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة على تطبيق القانون على الجميع، بحيث لم تقدر السياسة الجديدة على التماسيح والعفاريت ولا على الاقتراب من قمقمها، فانزوت إلى دفع المواطن إلى شد الحزام.. الشيء نفسه، لم تقدر وزارتنا الوصية على تطبيق القانون بكل عدل ومساواة على تماسيح التربية والتكوين فانزوت إلى تسعة عشر أستاذ وقطعت أرزاقهم "لتربيتهم" على "خرق القانون". بوابة نيابة التعليم بالرشيدية اليوم لواحة للبشر، عليها تسعة عشر أستاذا بمعية نقاباتهم الخمس والمتضامنين معهم، يحتجون ضد الشطط في تطبيق القانون اليوم، تتحمل الأصوات الخيرة -داخل النقابات والجمعيات والإعلام وحقل التربية والتكوين- الواعية بمسؤوليتها الحقيقية في ترشيد التدافع الايجابي داخل البلاد، وفي إدانة مثل هذا "الظلم" الواقع على من يراد له أن لا يكون رسولا. هي ليست فقط معركة الكرامة والإنصاف، بل هو نضال من أجل مأسسة التدبير الإداري والعدالة الاجتماعية. سعيد الشقروني عضوالمكتب الجهوي للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب