بين فجاج وأودية تازناخت، الواقعة على الطريق الرابطة بين ورزازات وأكادير عبر تارودانت، تقبع دواوير فقيرة جدا، لا توفر لرجال التعليم سوى حجرات متهالكة ومنازل مخصصة للسكن تفتقر إلى أبسط التجهيزات الضرورية، وفي مقدمتها المراحيض. وفي هذه الحالة، يضطر المدرسون إلى قضاء حاجاتهم في الهواء الطلق تقيهم حجارة كبيرة من أعين التلاميذ، رغم الخطر الذي يتهددهم من العقارب السوداء والصفراء وأنواع أخرى من الزواحف السامة. أريحية سكان المنطقة تخفي مشاق الطبيعة، إذ يستقبلون المدرس بترحاب كبير منهم من يتعامل معه فقيه المسجد، إذ يتناوب السكان في تقديم الأكل له وغالبا ما يستدعونه لكل مناسبة بالدوار، ويتنافسون في الترحاب به وتقديم كل ما لديهم بالمنزل له. أما الخبز فقد كان مشروطا على الأسر لتقديمه للمدرس، الأمر الذي يستجيب له السكان بتلقائية كبيرة. وخلال موسم جني التمور يخصص السكان للمدرس قسطا من المحصول. أغلب المدرسين بتازناخت حديثو العهد بالتخرج من معاهد التكوين بالمدن، حيث أماكن الترفيه والملاعب وغيرها من المرافق التي تنعدم بتازناخت، ما يجعل الانتقال من المنطقة هاجسهم الكبير. يلتأم السوق الأسبوعي يوم السبت، ويستغله المدرسون للذهاب إلى الحمام ولاقتناء الخضر واللحم الذي يشرحونه قطعا ويضعون الملح عليها لكي لا تفسد بفعل الحرارة المفرطة، أما مشتقات الحليب فلا يمكن تناولها سوى بالسوق، حتى لا تتلف. ويعاني المدرسون في التنقل إلى السوق، إذ لا يجدون سوى سيارات من نوع (رانزيت أو بيكوب) تتجاوز طاقتها الاستيعابية، وأحيانا يضطرون إلى ركوب شاحنات بجوار البضائع، أو الماشية، فالغاية هي الذهاب للسوق والتي تبرر كيفية الوصول والوسيلة المستعملة. يجد بعض المدرسين صعوبة كبيرة في الحديث مع تلاميذهم الذين لا يعرفون سوى اللغة الأمازيغية والتي يجهلها الكثير من المدرسين، لتتم عملية تبادل الوظيفة بين المدرس وتلاميذه الذين يقدمون له عبارات هو في أمس الحاجة لها للتواصل مع سكان المنطقة. خلال فصل الشتاء تشهد المنطقة القريبة من جبل سيروا انخفاضا كبيرا للحرارة ويعيق الصقيع تحرك السكان، وفي حالة تساقط الأمطار وفيضانات الأودية تنقطع المواصلات، فيعيش سكان الدواوير النائية على مدخراتهم، في حين يضطر بعض المدرسين إلى تناول المعلبات والقطاني. منذ نهاية شهر مارس تشرع الحرارة في الارتفاع بدواوير المنطقة وتنشر السموم بمختلف أنواعها في الوقت الذي تصبح المنازل المخصصة للمدرسين والبعيدة عن الدوار أشبه بأفرنة ملتهبة، إذ تنعدم النوافذ بها باستثناء الدور المفككة ذات أسقف من الزنك حيث تلتجئ بعض القوارض بحثا عن فراخ، أما العقارب فتختبئ بالقرب من الإناء الطيني (البرادة) الذي يضع فيها المدرسون الماء، لعلهم يظفرون بمياه باردة في عز الحرارة المفرطة. صادفت نهاية الثمانينات توافد جحافل من الجراد على المنطقة كالضباب يستقبله سكان المنطقة بترحاب شديد ويتم وضعه في الماء الساخن المملح ويتناولونه بشهية كبيرة، وغالبا ما يقدمونه للمدرس مع كؤوس الشاي قبل الأكل، وإذا امتنع يشرعون في مقارنته، الحلزون المنتشر بكثرة في العديد من المدن ويعتبرونه مفيدا للصحة على حد تعبيرهم. طبيعة منطقة تازناخت شبه الصحراوية تثير قلق بعض مدرسين الذين غادروا المدينة وضجيجها لينخرطوا في هدوء المنطقة وصمتها القاتل ،مما يجعل العديد منهم يغيبون فترات طويلة عن الفصل، في حين يقضي البعض منهم الوقت في لعب الورق، وهناك من يتناول مخدرات لعلها تطير به إلى الأجواء الصاخبة للمدينة، لكن أريحية سكان المنطقة وطيبوبتهم تنسي المدرسين ذلك الواقع المر ومنهم من ينسجم معهم، ما ينتهي أحيانا بالاقتران بإحدى فتيات الدوار لينخرط في عالم تازناخت الهادئ.