وأنا أطالع أحد المواقع الالكترونية استقرت عيناي على مقالة تحت عنوان: " تطوان ... مدينة لا تفارق فيها المكانس أيادي عمال النظافة " وكم استمتعت بهذه المقالة الرائعة التي أصابت في وصف الجزء المشرق من المدينة فقط، غير أنها تناست الجزء المظلم منها، والذي نعيشه ونحس به نحن ساكنة المدينة غير أننا تأقلمنا معه، وبذلك تكون المقالة قد طبقت تطبيقا صحيحا للمقولة المغربية الشهيرة "المزوق من برا أش خبارك من داخل " . نعم , تطوان تعرف تفوقا ملحوظا على غيرها من المدن بالمملكة المغربية على العديد من المستويات، تجعلها في مكانة خاصة لدى سكان المغرب عامة ولدى عشاقها خاصة، بل هناك من يزورها ويتمنى العيش فيها، وهناك من كان يتمنى لو كان مسقط رأسه بهذه المدينة، وهذا راجع لجمالها ومكانها الجغرافي ولرونقها ولكنتها المميزة وحضارتها المتشبعة بحضارات عريقة ورواسب حضارات قديمة ... ونحن حينما نتحدث عن نظافة تطوان لا يجب علينا التكلم عن الشوارع الرئيسة للمدينة فقط ( محمد الخامس و 10 ماي ...) بل هنا الباريو والطويلع وكرة السبع وخندق الزربوح ... كلها تكون تطوان وكم كنت أتمنى لو كانت هذه الأحياء كذلك لا تفارق فيها المكانس أيادي عمال النظافة أو تلقى جزءا من الاهتمام الذي تتلقاه الشوارع الرئيسية ، فقط تزين وتنظف و تصبغ جدرانها وتصبح عروسة في حالة احتمال للزيارة الملكية وهذا نفاق بعينه من طرف المسؤولين على الشأن المحلي للمدينة. ولا أنسى المدينة القديمة والتي تعتبر تراثا عالميا وكنزا وجب المحافظة عليه، عكس ما نراه اليوم وكم نتحسر عند المرور من أزقتها والتي تحس داخلها وكأنك في حي من أحياء كولومبيا فهي تعتبر بؤرة سوداء بتجار المخدرات بجميع أصنافها، ولا ننسى دورها الواهنة والتي يمكن بين الفينة والأخرى أن تسقط على رؤوس سكانها والمارة، ويشار إلى أنه قد رصدت لها أموال باهظة قصد إصلاحها والاهتمام بها، غير أن الملاحظ هو سلك تلك الأموال مسلك جيوب المسؤولين عنها ... وبالإضافة إلى هذا نلاحظ عدم الاهتمام بالمآثر الحديثة والتي توازي المدينة القديمة و تضاهي الكنيسة الموجودة قرب "الخصة " فالحمامة البيضاء أصبح لونها باهتا جراء عدم الاهتمام بها، وهي رمز للمدينة و قد كان بناءها سنة 1988 من طرف النحات الإسباني كارلوس مويلا وكدا لوحة المسيرة التي يبدو أننا سنترحم عليها قريبا جراء التهميش الذي تلقاه وقد شيدت سنة 1982 من طرف النحات المغربي التهامي داد ( القصري)، ونحن نتكلم عن جمالية المدينة من خلال رموزها العريقة ونظافتها في شوارعها الرئيسية نستحضر مكب النفايات الموجود بمدخل تطوان وكفاية أن تمر بجانبه لتسقط مغشيا عليك من هول الرائحة العفنة، وهو يعتبر كارثة بيئية خطيرة تمس بسمعة جمالية تطوان ونتمنى من القيمين على شأن المدينة أن يجدوا حلا لها... وبالعودة إلى شوارع المدينة الرئيسية فلا يمكن أن ننكر بأن هناك بين متسول ومتسول تجد متسول آخر، وهذا كاف ليجعل الكلام عن رونق المدينة يذهب أدراج الرياح، أما المتشردون فيكفيك أن تتمشى فيها ليلا لتراهم يلتحفون السماء لتعلم حجم الكارثة... ومن جهة أخرى افتخر حينما تسمع أذناي عن نشرات الأخبار أن سكان تطوان وسائقيها يحترمون قانون السير، وكم أحس بالنشوة حينما اسمعها هذا من الضيوف الكرام مباشرة، لكن هناك من سائقي الأجرة وخصوصا الصغيرة من يضرب هذا المدح عرض الحائط ولا يحترم مهنته قبل زبنائه، وذلك لعدم استخدامهم للعداد أثناء نقل الركاب، وهذا يعد استغلالا يصل في بعض الأحيان إلى حد الغبن، فما معنى أن تِؤدي ثمنا لتوصيلة لا تستحق ذك الثمن ؟ كذلك نفتخر بفريق عريق كالمغرب التطواني، والتاريخ المتميز الذي يملكه عن باق الفرق المغربية، والذي أضحى يقارع الكبار بفضل مجهودات مسيريه، غير أن ما يحز في نفسي هو وجود مجموعة من المشجعين ينتمون إلى فصيلين إلتراس بالوما وماطادوريس يضربون عرض الحائط أسمى آيات الحضارة وذلك بقتال بعضهم البعض، يكفيك بعد كل مقابلة يجريها الفريق تتحول الشوارع المحاذية لملعب "لامبيكا" والمجاورة له إلى معارك داحس والغبراء... سامحوني فهذا جزء من تطوان المظلم وأنا كغيور على المدينة حاولت أن أصيب ما لم تصبه، أو أخفته المقالة السالفة الذكر، وأعطيت بعضا من الأمراض التي تعاني منها المدينة، وكم أتمنى أن أجد وصفات طبية للقيمين على شؤون هذه المدينة الغالية، وأنا اعشق القمر بدرا، كما أتمنى أن تكون مدينتي بدرا، ومع هذا كله ولو تطرقنا إلى النصف المظلم من مدينتنا، تبقى تطوان رمزا للحضارة. عبد البديع علال بريس تطوان