هناك أشكال إبداعية متعددة يعبر بها السالكون عن مواجدهم، وأشواقهم وصبابتهم ومحبتهم الإلهية.. من بينها الشذرات أو يمكن أن نطلق عليها ال'نفحات'؛ تأتيهم فضلا من الله و تدبرا في تجاربهم الروحية .. عقلا وبصيرة، فأهل القرب وأهل الحضرة لهم حظ أكبر هو الرؤية بالقلب، وفي هذه الرؤية يهتك حجاب الأشياء ولكن تظل الذات الإلهية محجوبة بأنوارها فلا ترى جهرة ولا ترى رؤية عين .. وإنما يقول العارف إنه قد " زج بي في الأنوار " وما دعاء مولاي عبد السلام بن مشيش قدس الله سره في تصليته المعروفة بالصلاة المشيشية " وزج بي في بحار الأحدية " خير دليل على أن بحار الحب عند الصوفية خبرة خالصة لا يعرفها إلا أهلها ولا قدم فيها لأحد إلا الندرة المختارة الذين أفنوا أنفسهم حبا وإخلاصا لله بالقول والعمل .. الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴿59﴾ ] سورة الفرقان[ ومحمد بن عبد الجبار بن الحسن النفري الإمام العارف قطب زمانه واحد منهم، وقد كان لنا اليوم فرصة لمناقشة أشهر مؤلفاته 'المواقف' و'المخاطبات' في لقاء يجمع بين الجلال والجمال عز نظيره في حياتن المعاصرة الحبلى بالأوجاع و'قلة الأدب'، إنه لقاء جمعنا مع صاحب مؤلف 'الصوفية والفراغ / الكتابة عند النفري' الباحث خالد بلقاسم، بمشاركة كل من د. أحمد هاشم الريسوني والشاعر عبد اللطيف شهبون، وبحضور الدكتورة جميلة رزقي، والدكتور الطيب الوزاني والدكتور عبد الإله الكنفاوي بآداب تطوان. وإليكم خلاصات سريعة استخلصتها من خلال هذا اللقاء الماتع : - محمد بن عبد الجبار بن الحسن النفري كان متصوفا عالما بارعا في كل العلوم . - كتاباته تؤلف بين الفكر والتصوف في ثوب مغاير، علاوة على أنها ظلت منبعا للإستمداد إلى يومنا هذا، وأكبر من استفاد منه الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي . - كيف نقرأ الخطاب الصوفي العربي ؟ ومن خلاله كيف نقرأ تجربة النفري من خلال كتابي 'المواقف' و'المخاطبات' .. وكيف نقرأ القديم سؤال ما ينفك يتجدد ! . - أن نقرأ النفري يعني أن نغيره ونتغير معه في آن . - ما معنى مواقف ؟ أن يتوقف عن السوى وعن الأغيار .. أن يرى بقلبه في حياته الدنيا - النفري حاول أن يخرج عن حدوده البشرية ومجاورة ألله .. تكشف عن هذه الحقيقة بوضوح جملة النفري" كاد لواقف أن يخرج عن حدود البشرية "؛ هو يعرف أنها مستحيلة ولكن لا سبيل للخلاص إلا بالمخاطرة .. وهي الاختيار إلى حد الائتمان . وهكذا عاش النفري بين الإستحالة والإمكان . -النفري لم يكتب .. وعندما كتب كانت كتابته شاكة في اللغة، منصتا، محاورا، متقطعا، مستمعا .. وأيضا كان يريد من وراء كتابته أن يتكلم المطلق .. يقول الباحث خالد قاسم : كشفت مصاحبة خطاب 'المواقف' و'المخاطبات' عن أن الثقافة القديمة لا تنفك تجدد احتمالها المفتوح على لا نهائية التأويل. وهو احتمال يدعو دوما إلى التفكير في إشكال القراءة وتغذيته في ضوء المعرف الحديثة.