قطعت سيدة حامل الأسبوع المنصرم، أكثر من عشرة كيلومترات وسط طريق غير معبدة، لتصل على تمام التاسعة ليلا إلى دار الولادة في مستوصف تابع لقيادة باب تازة بإقليم شفشاون. لكن الحالة الصعبة والنزيف وخطر موت الجنين التي كانت تحذق بالسيدة، لم تشفع لها عند مسؤولة المركز الصحي "بفيفي" التي امتنعت عن استقبالها أو إسعافها بذريعة انعدام المداومة الطبية في المستوصف المذكور، معلقة بحسب عائلة السيدة الحامل على الأمر بالقول "إن ساعات العمل معروفة عند الجميع..! والأدهى من ذلك أنها "المسؤولة" أسمعت السيدة وهي في حالة مخاض مثيرة للشفقة كلاما آخر قاس، لم يكن تستدعيه المقام في مثل تلك اللحظات الحرجة، فالممرضة بحسب الحاضرين لم تراع لا الحالة الصحية ولا النفسية للسيدة الحامل، ولا حتى من الناحية الإنسانية المحضة على الأقل. وهذا يعطي مرة أخرى الدليل القاطع على أن عالم الصحة والتطبيب في بلادنا مريض ومبتلى بأناس لهم حساباتهم الخاصة، والتي تجعل مصلحة المواطن آخر ما يهمها أو تفكر فيه. ولولا تدخلات بعض الجهات، وتفهم إحدى الممرضات لدواعي لوضعية السيدة الحبلى الصعبة، في مستوصف آخر على بعد خمسة وعشرين كلم من "فيفي" حيث تقطن السيد، لكان مصيرها المحتوم هو أن تضع مولودها في الطبيعة في وسط جبال الريف بكل ما يشكله ذلك من خطر عليها وعلى الجنين، كما لو كنا نعيش في الغاب والكهوف في مرحلة ما قبل التريخ وليس في القرن الحادي والعشرين. والقصة نفسها تقع مرارا وسط تستر وتكتم العائلات، لا لشيء سوى لأنها تخشى الخوض في الموضوع. فأين هي الأخلاق والضمير المهني لدى هؤلاء؟ وما موقع أسطوانة حقوق المرأة والمواطن في المغرب؟ لا تمثل حالة هذه السيدة استثناء بل هي القاعدة هناك في الجبال، حيث تُسجل حالات متعددة تقع كلها في أقل من شهر في مستوصفات أخرى في هذا الإقليم المنسي، الذين استولى عليه اللصوص غزاه "الشفارة" ، والذي طالما طالب سكانه من مختلف الجماعات بحل هذا المشكل تحديدا، ومشاكل صحية أخرى تراكمت على مدى سنوات بالمراكز الصحية الجماعية بالإقليم. لكن المسألة كما يقال: "لقد أسمعت لو ناديت حيا لكن لا حياة لمن تنادي". فهل آن للمسؤولون أن يسمعوا صراخ النساء في ظلمات جبال الريف وهن يلدن بين منعرجات خطرة، أم أنه كتب على النساء المسكينات ألا تسمعن تلك سوى جواب صدى صراخهن في الجبال المجاورة ليذكرهن أنهن في عزلة تامة ...