"لم تكن النساء المسلمات متأخرات عن الرجال في ميدان العلوم و المعارف فقد نشأ منهن عالمات في الفلسفة و التاريخ و الأدب و الشعر و كل ألوان الحياة" قول بليغ للنبيلة الإنجليزية "ايفلين كوبولد" ينطبق بشكل عميق على نساء تطوان المبدعات ذوات العطاءات اللامحدودة والإبداع المنقطع النظير. هذا العطاء وهذا التميز ليس وليد الصدفة أو اليوم، بل هو راسخ متجذر رسوخ هذه المدينة الشماء في عمق أصالة التاريخ المغربي. فمن منا لا يعرف بعظمة " السيدة الحرة " التي حكمت تطوان لمدة ثلاثة عقود، إنها سليلة الحسب و النسب العلمية الإدريسية الحسينية التي بلغت شهرتها الأمصار و حظيت باهتمام العلماء و الدارسين من مختلف الأصقاع، فقد عُرِفت السيدة الحرة بنبلها و ذكائها النادر و أخلاقها السامية ما جعل منها حاكمة حسنة التدبير، راجحة الرأي و السياسة، حيث اهتمت بتدبير شؤون مدينة تطوان بشكل راق وفقا لما هو معروف بالحواضر الكبرى، كما أن من مظاهر سياستها الحكيمة اهتمامها الكبير بالجانب العسكري، حيث أنها حصنت مدينة تطوان بأبراج دائمة للحراسة و كان لها أسطول بحري على أهبة الاستعداد لصد أي هجوم خارجي. هذا المجد و العزة و العطاء جعل تاريخ السيدة الحرة يُكتب بماء الذهب في سجل العظماء، و علامة مميزة من علامات مجد مدينة تطوان، هذه المدينة العريقة التي تلألأ نور بناتها بأشعة من ذهب، فكن خير سلف لخير خلف. تعود بنا الذاكرة أيضا إلى الماضي الجميل، زمن السيدة الفاضلة للا فاطمة الركيبي السدراوي، التي يعرفها كل أهل تطوان بالسدراوية، امرأة ندرت نفسها لخدمة الطفولة و المجتمع حيث كانت أول امرأة تفتتح سنة 1969 دارا للأيتام بتطوان والتي استقبلت فيها 360 يتيما و فقيرا تكفلت بإيوائهم و إطعامهم وكسوتهم و تدريسهم بل و حتى بتزويجهم، فلم تدخر جهدا و لا مالا في سبيل تحقيق رسالتها النبيلة. ولن ننسى الصحفية المُقتدرة الوطنية الغيورة والمدافعة عن المغرب في الداخل والخارج،إنسانة عظيمة وأممثالية، الصحفية المميزة ثريا أمناد بركة صاحبة جريدة " صباح اليوم " التي أسستها بمثابرة وإصرار ومجلة المال والأعمال، هذه الإنسانة صاحبة القلب الكبير امرأة صامدة وطموحة استطاعت أن تفرض وجودها على الساحة الإعلامية المغربية، وهياليوم شفاها الله طريحة الفراش، نتمنى لها الشفاءالغاجل بإذنالله. وتستمر تطوان بالعطاء في زمننا الحاضر، تتمخض لتنجب المزيد من النساء المتميزات في كل المجالات، فمنهن الصحفية الناجحة، و الكاتبة المبدعة، و الدكتورة المجدة، والمصممة المتميزة، و الفنانة المتفردة، و القائمة تطول في شتى الميادين، فلتعذرنا بنات تطوان الكريمات إن لم نستطع ذكر كل إنجازاتهن. في هذا المقام، و نحن نستقبل اليوم العالمي للمرأة، نستحظر هاته السير العطرة لنساء مدينة تطوان اللواتي رفعن رأسنا عاليا على كل المنابر، ننحني أمام عطاءاتهن، ونستلهم من شموخهن إشراقة روح السيدة الحرة و روح للا فاطمة السدراوية. فهنيئا لتطوان ولمنطقة الشمال وللوطن الحبيب بهؤلاء المشرقات في سماءاتنا و اللواتي استحققن كل عبارات التقدير والعرفان بالجميل و كل عيد امرأة و أنتن شموس لا تغيب.