الحافلات بدأت تتوقف ويبدو أن «الموس وصلات للعظم» بالنسبة للعاملين في هذا القطاع. فبعد أن كانت تطوان تنتظر حافلات جديدة وشركة جديدة تضخ أسطولها الذي وعدت به، وتطلق له العنان بشوارعها وأحيائها التي لا تصلها حاليا أي حافلة أو وسيلة نقل.المواطنون كما العاملون في قطاع النقل الحضري، بدأت الأمور تسوء بالنسبة لهم وتزداد قساوة. الحافلات التي كانوا يحلمون بها أصبحت في «علم الغيب». لا جديد لحد الساعة بخصوص هذا الملف سوى شيء واحد مؤكد، أن الصفقة التي عقدتها الجماعة مع «لوكس ترانسبور» صار في عداد الماضي، بعد رفض وزارة الداخلية كليا للإتفاقية التي لم تراع حسب رأيها الكثير من الأمور الموضوعية، وبنيت على تقديرات قد لا تكون ممكنة على أرض الواقع. رحلة الصفقة من بدايتها حتى نهايتها لم تكن مريحة ولا ممتعة، لتكون نهائيتها محزنة للغاية وتتوقف كليا بعد عطل في محركها. لا وسيلة في يد صانعيها لصيانتها سوى التخلي عنها والرضوخ للأمر الواقع، وهي إعادة البحث عن صفقة أخرى والعودة لنقطة البداية، لكن بمشاكل قد تثقل كاهل الجماعة والمواطنين والنقالة على حد سواء. «كلشي خاصوا يصبر حتى نحلوا هاد المشكل». كلمة يرددها بعض المسؤولين الجماعيين وحتى من هم على رأس السلطة الترابية. الكلمة الفصل في الأخير والأول ستبقى هي «الصبر»، لكن ما مدى هذا الصبر ومن سيتحمله حاليا ؟، هل النقالة الذين انتهت مدة صلاحيتهم، أم الحافلات المهترئة التي لم تعد تقوى حتى على الدفع والجر؟ أو لعلهم العمال الذين بدؤوا يضيقون ذرعا وعمدوا لتنفيذ إضراباتهم؟ أم الصبر كل الصبر سيتحمله المواطنون البسطاء من مستعملي الحافلات، ممن لن يجدوا حافلاتهم بمكان وقوفها خلال الأيام القليلة المقبلة، وقد عاشوا المشكل على مدى يومين مع بداية الأسبوع، بسبب إضراب العمال. تطوان حاليا من الجهة القانونية والواقعية تعتبر بدون نقل حضري وبدون حافلات، تلك هي الخلاصة التي يمكن أن تقال صراحة للمواطنين بهذه المدينة وبالمناطق الأخرى التابعة لها، سواء القروية أوالحضرية، وإن كانت في الحقيقة هي في وضعية «مؤقتة» منذ بداية الألفية الجديدة، حيث لا صفقات ولا تعاقدات حقيقية، سوى قرارات وتسويات شخصية وفردية في كثير من الأحيان بين النقالة والولاية أو النقالة والجماعة الحضرية، دون كناش حقيقي للتحملات، لتبقى الحافلات موجودة حيث يجب أن توجد، وأن تنقل المواطنين من هنا ومن هناك في اتجاهات مختلفة منها الحضرية ومنها القروية. الفوضى العارمة للقطاع استمرت أكثر من عشر سنوات، قبل أن يظهر حديث عن صفقة جديدة وعن فتحها في وجه نقالة من مناطق مختلفة، بدل ما كان العمل به من قبل في اقتصارها على النقالة المحليين لمدينة تطوان والمعروفين لدى الجميع منذ عقود. «حنا اللي أنقذنا المدينة لسنوات وعاونا المواطنين، الأثمنة اللي كنقلوا بها ما كاينة فحتى شي مدينة، والطلبة والتلاميذ الثمن رمزي جدا»، يقول رئيس جمعية النقالة، الذي انتقد الطريقة التي تعاملت بها السلطات معهم سابقا، وخاصة وزارة الداخلية ووزارة المالية، حينما كانت لديهم رغبة حقيقية في أن يدبروا هذا القطاع. ويعزي المتحدث ذلك لكون وزارة المالية ومنذ سنوات كانت تمنعهم من شراء حافلات مستعملة من الخارج، رغم أنها في حالة جيدة ويمكن استعمالها للنقل ومريحة للمواطنين. وكانت الوزارة تلزمهم بضرورة شراء حافلات جديدة من شركات مغربية فقط، وهو ما لم يكونوا يقبلونه، قائلين «الشركات الأجنبية بالمغرب التي تستغل النقل الحضري يسمح لها بجلب حافلات مستعملة، ونحن نحرم من ذلك». صراع دام طويلا بين النقالة والوزارة، ولقاءات كثيرة واجتماعات ماراطونية لم تفض لأي شيء، في وقت كانت المدينة تعج بحافلات من مستويات مختلفة، جلها مهترئة ومتآكلة وتدعو للشفقة كما يصفها جل مستعمليها، خاصة تلك التي كانت تربط بين أحياء هامشية أو تلك التي يسميها العموم «الدبابات» والمتوجهة لبعض المناطق القروية المجاورة والصعبة، كما الحال بالنسبة لمنطقة بوعنانن بني صالح، الزرقاء وغيرها. سكان هذه المناطق الهامشية لم تعد لهم أية حافلة في الوقت الراهن، ويعولون على سيارات الأجرة في تنقلاتهم اليومية وتنقلات أبنائهم لمدارسهم البعيدة. بلغ وضع الحافلات التطوانية لحد لا يطاق، وفعلا بدأت ترتيبات الصفقة الجديدة مبكرا لحد ما. فقد كانت الاتفاقيات والتعاقدات المبرمة مع الشركات المحلية، التي تستغل تلك الخطوط منذ عقود، تنتهي في شهر شتنبر 2012، مما دفع الجماعة الحضرية لتبدأ تفاصيل الصفقة وشروطها مبكرا. وبدأ البحث عن الشركة التي يمكن أن تملأ الفراغ. تم تهيئ كناش التحملات بدو دقة كافية على ما بدى لاحقا، لكنها كانت التجربة الأولى لتطوان. وعلمت الجريدة أنه تم خلال ذلك الإستعانة ببعض كنانيش ودفاتر تحملات سابقة، من بينها كناش تحملات مدينة القنيطرة، وهو ما سيظهر لاحقا أنه كان ربما على مقاس الشركة التي فازت بالصفقة فعلا، والتي تشتغل بالقنيطرة منذ مدة. كناش التحملات الذي تم تعديله وتغييره عشرات المرات، حسب ما علمت به الجريدة، لم يرس على بر إلا في لحظات متأخرة من الإعلان عن الصفقة، حيث بدأت العروض تتوافد على اللجنة المختصة بتلقيها ودراستها وترتيبها، بل تزامنت مع مشكل التدبير المفوض لقطاع النظافة ومشاكله التي هزت المدينة، فتم تأخير ملف النقل الحضري لما بعد مشكل الأزبال، مما أضاع مزيدا من الوقت كانت المدينة في حاجة لكل يوم من أيامه. ترتيب الوضع لم يكن سهلا ولم يكن منظما بالشكل المطلوب على ما يبدو من مجريات الأمور. وكان الكثير من المستشارين ممن صادقوا على كناش التحملات وتدبير القطاع في دورة للمجلس، لا يعرفون ما يحدث ولا أين تسير الأمور سوى ما يتابعونه على صفحات بعض الجرائد، كما علق أحدهم حينما سئل عن الموضوع، فقال «انتما كتعرفوا كتار منا» في إشارة لما تنشره الصحافة. لم تكن الصحافة تنشر سوى بعض الكواليس وبعض ما تسرب من هنا أو هناك. فقد بقي الأمر مغلقا بالفعل، فحتى أقرب المقربين من الموضوع لم يكن لديهم علم كثير بما يحدث، ولا بالشركات التي تقدمت بعروضها، قبل أن تنفجر «قنبلة» الهوامش، وبالضبط الجماعات القروية والحضرية المجاورة للمدينة، التي أشهرت العصيان في وجه الجماعة الحضرية لتطوان، ورفضت كليا التصديق على كناش التحملات، الذي وافقت عليه جماعة تطوان، وبالتالي التصديق على اعتماد نفس الشركة في التنقل بين مناطقهم ومدينة الحمامة البيضاء، كحال جماعة مرتيل والمضيق وغيرها، ممن رفضت مجلسها قطعيا الإتفاقية وأعادتها من حيث أتت. هذه الجماعات الرافضة ترى أن جماعة تطوان «تجاوزت حدودها»، حينما أعلنت عن الصفقة من طرف واحد دون الرجوع للأطراف المعنية الأخرى، حيث أن غالبية الخطوط ستربط بين مدينة تطوان والجماعات المجاورة لها الحضرية والقروية. ولعل ذلك ما دفع تلك الجماعات إلىرفض النقطة أصلا من جدول الأعمال «معندنا لا ربح مالي ولا سلطة على هاد الطوبيسات، حنا غير طريق»، يقول أحد المستشارين الجماعيين بمرتيل، فيما يوضح الحاج بنونة وهو عضو مكلف بملف النقل الحضري بمرتيل، أنه «لا يمكن أن يتم معالجة هذا الملف بهذه الطريقة، فالأمر يتطلب إحداث نقابة بين الجماعات للنظر في الموضوع، إنه لا يخص فقط التنقل داخل مدينة تطوان بل حتى لجماعات ومدن أخرى وإن كانت قريبة من بعضها». جرى العرف أن تكون مدينة تطوان هي الوجهة، فجل المناطق الحضرية الساحلية، التي يرتادها أهالي تطوان أبعدها لا يتجاوز 40 كلمترا، مما جعل حافلات النقل الحضري هي وسيلة النقل الأساسية لهؤلاء. فيما سكان تلك المناطق ملزمون بالتوجه لتطوان لقضاء مآربهم أو العمل، وبالتالي فالحافلات ملزمة بقطع هذه الطريق قبلت المجالس أم لم تقبل، لكن الجانب القانوني لابد أن يحل بطريقة ما. مشاورات ومناورات على حد سواء بدأت فصولها تخاط بين الأطراف المعنية، وتصحيحات واضحة بكناش التحملات، والإتفاقية تمنح لكل ذي حق بعض حقوقه، قبل أن تعاد الأمور لتلك المجالس وتصادق عليها على مضض. كان الإتفاق على أن تكون لجنة التتبع مكونة من بين رؤساء الجماعات المنظمة في هذا العقد، إضافة لسلطة الوصاية والشركة المتعاقد معها، وهو الأمر الذي لم يتم ولم تقبل به الجماعات الأخرى، التي بقيت مصرة على أن يدار الملف بطريقة أخرى، سواء على قاعدة المجالس الإقليمية للعمالتين المعنيتين، أو عبر اتحاد النقابات المشترك كما هو معمول به في مناطق أخرى، وفي مشاريع مماثلة تكون مشتركة فيما بين الجماعات، لكن تضارب التوجهات وحتى الأفكار خلال مرحلة الإعداد جعلت الملف يعيش تخبطات كبيرة، ليصبح جمرة ساخنة في يد الوالي بصفته سلطة وصية، وليبقى حبيس أدرج ولاية تطوان لعدة أسابيع دون رد، قبل أن ترد تعليمات دفعت به للتصديق عليه وإرساله إلى المصالح المختصة بوزارة الداخلية. رئيس جمعية النقالة بتطوان في كلمته خلال يوم دراسي، عقد لهذا الغرض قبيل الحسم في الشركة الفائزة بالصفقة، لكن بعد رسو الإختيار بين شركتين إثنيتن، هما «لوكس ترانسبور» وشركة «ألزا» الإسبانية، قال أنه «يستغرب من الأثمنة التي تطرحها الشركة الأولى، والتي لم تكن تتجاوز درهمان والنصف، وهو المبلغ الذي كانت تشتغل به الحافلات السابقة خلال السنوات الماضية، التي تعرضت لخسائر متتابعة، والتي أوصلت الأسطول والعاملين به لهذا الحد»، مضيفا «إنها أثمنة خيالية تلك التي تطرحها هذه الشركة، نتمنى لها النجاح لكونها ستساعد السكان، لكن لا أعتقد أنها قادرة على أن تسير بعيدا بهاته الأثمنة». نفس التوجهات عبرت عنها مداخلات أخرى لنقالة ولمتتبعين ومستشارين. عمال الحافلات القديمة يعتصمون بمحطة الحافلات بساحة الحمامة، فيما المواطنون متخوفون من توقفها نهائيا، خاصة أن بعض الخطوط توقفت فعلا، منها الموجودة داخل المدينة ومنها الرابط بجماعات مختلفة، حيث يقوم سكان بعض الجماعات القروية بوقفات بين الفينة والأخرى للإحتجاج على هذا الوضع. مصطفى العباسي / الأحداث المغربية