عاش النفار في حياتنا حقيقة راسخة بآلة النفخ النحاسية الطويلة الشهيرة ، إلى أن صار مع مرور الزمن مجرد ذكرى لحنين يصدح في جنبات الشوارع والأزقة في ليالي رمضان المباركة. ظل يبشر برؤية هلال العيد، ويقوم بجولة أخيرة صباح العيد لجمع "الفطرة" ، زكاة الفطر. مهنة النفار مهنة رمضانية لاتتعداه إلى باقي شهور السنة، وهي مهمة تعلقت بإيقاظ النائمين لتناول وجبة السحور في جو صوفي رائع.. ونجد مصطلح La fanfare الذي يعني الجوقة النحاسية أو موسيقاها قد دخل إلى اللغة الفرنسية في القرن السادس عشر. أما أصلها العربي فهو النفير، وتعرفه القواميس بالبوق الذي يضرب لينفر الناس، أي يستنفرهم، ويعجلهم للسفر والرحيل أو للجهاد؛ ومن ذلك قوله تعالى في كتابه الحكيم: "انفروا خفافا وثقالا". لذلك كان لها طابع خاص في جنح الليل في ربط أوردة السكان بسحر التراتيل والأناشيد الدينية منذ قرون. لقد تراجع دور النفار في بلدنا، لكننا نتوقع أن هذا التقلص قد شمل العديد من الدول العربية ؛ وهو ما أطاح بهذا الفلكلور الشعبي في كثير من البلدان . لكن الجميل هو أن تتسابق حكومة تركيا إلى إعادة تفعيل هذا الإرث في وطنها واسترداد سحره حيث جعلت للنفار في رمضان قوانين ثابتة حددت له فيه أجرا ماليا محترما يضمن له كرامته حتى لايضطر لشحذ الهبات؛ ومن جهة أخرى، حتى تؤسس هذه القوانين لأحقية هذا الإرث الحضاري فتضمن بذلك استمراريته .. هذه تركيا التي يبدو أن وطنية أهلها مختلفة، وكأن من يفكر فيها لايغفل تفاصيل الأمور ودقائقها.. أوكأن من يقرر فيها بيده عصا موسى السحرية.. وأما نحن.. في بلدنا الغالي، ليس لنا سوى أن نردد معا المثل الشعبي: " قالو آش كان اباك، قال: نفار. قالو: الحمد لله رمضان اتقاضى". جوهرة أشيبان