أ. التطوانيات والنقد الموسيقي: لعل إلقاء نظرة على الكتابات النقدية الموسيقية المغربية قديمها وحديثها، ستحيلنا حتما إلى إشكال يتعلق بقلة الدراسات وندرة الأبحاث التي تناولت موضوع التطوانيات وعلاقتهن بالموسيقى هي ندرة يمكن أن نبررها بصعوبة الخوض في مثل هذه الموضوعات التي مازال أكثرها يخضع للتوارث الشفوي، ولتقنية الحفظ بدل التدوين، الأمر الذي يجعل الباحث يواجه عملا شاقا ومؤرقا إن أغاني نساء تطوان لم تجد إلى حد الساعة من يكتب نصوصها الشعرية، أو يحفظ جملها اللحنية عن طريق الكتابة الموسيقية فلا نجد مجاميع أو مؤلفات تهتم بحفظ المرددات النسائية بتطوان شعرا وموسيقى، بل إن الإشكال قد يزداد تفاقما عندما نتساءل عن أصول بعض هذه الأغنيات هل هي تطوانية فعلا أم أن لها هويات أخرى؟ بيد أن تفسير هذه الندرة النقدية يخضع أيضا لعوامل اجتماعية بحتة، إذ بمجرد وفاة الفنان تزداد صعوبة إيصال أعماله إلى الجمهور، خاصة عندما تمتنع عائلته مد الباحثين بمعلومات تتعلق بتوثيق حياته أو تفيد فهم بعض إبداعاته. وهذه حال تخص الموسيقيات التطوانيات اللواتي ما فتئت أخبارهن تنقطع بمجرد وفاتهن. يقول في هذا الصدد الأستاذ مصطفى اخليفة متأسفا على عدم تمكنه من تفاصيل فنية كانت ستفيد كتابه: اعترضتني مشاكل كثيرة بسبب عزوف بعض عائلات الفنانات المتوفيات عن تزويدي بمعلومات عن حياتهن كانت يمكن أن تثري هذه الدراسة». والحقيقة أن خاصيتي العزوف والتحفظ عائق عانى منه كثير من الباحثين الموسيقيين المغاربة، وهو ليس حال العائلات والموسيقيات التطوانيات وحدها، بل نجده ظاهرة منتشرة بين باقي المدن المغربية تكتب جميلة العاصمي عندما همت بتدوين أغاني نساء مراكش أن أفراد الفرق النسائية اللواتي اتصلت بهن أغلبهن يتحفظن من إعطاء أي معلومات أو نصوص كما يرفضن نشر صورهن. ويمكن أن نبرر ندرة التأليف عن التطوانيات الموسيقيات، بنقص في الكتابات النقدية الموسيقية في المغرب عموما، ومن ثم نقص في الدراسات التي تهتم بالفنون الموسيقية ذات الطابع المحلي الصرف. فباستثناء كتيب الأستاذ مصطفى اخليفة «الأجواق النسوية بمدينة تطوان، لا نكاد نعثر على مؤلف متخصص أو مقال يهتم بهذا الموضوع. وفي مقابل ذلك يمكن أن نعثر على إشارات مبثوثة في أسطر أو فقرات كتبت هنا وهناك، تتفطن لأهمية هذه الثنائية الفنية، دون أن تعطيها صفحات كافية من التحليل العميق، أو من النظر المتأمل في مختلف أنساقها الإبداعية والفنية المتميزة. ولا بد أن نشير ونحن نتحدث عن إشكال ندرة الدراسات التي تتناول ثنائية المرأة التطوانية وفن الموسيقى، أننا نكاد لا نعثر على نساء تطوانيات كرسن قلمهن للكتابة عن الموسيقى بالقدر الذي اهتممن فيه بأنواع الأدب المختلفة شعرا ورواية وقصة ومقالة وغيرها. وباستثناء بعض المقالات التي كتبتها الأستاذة بشرى عبد الصادق اشقارة عن والدها المرحوم عبد الصادق اشقارة (1931 – 1998م)، لا نجد اسما نسائيا تطوانيا آخر باستثناء كاتبة هذه السطور – اهتم بمجال النقد الموسيقي، وفي الكتابة عن الموسيقى بصفة عامة. عنوان الكتاب: المرأة التطوانية وإسهامها في البناء الحضاري والمعرفي الكاتب: كتاب جماعي الناشر: مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات (مفاد) بريس تطوان يتبع...