لعبت قبائل غمارة دورا طلائعيا وفعالا في الدفاع عن حوزة الوطن والمحافظة على وحدته الترابية، بحكم وجودها في منطقة استراتيجية موالية للبحر الأبيض المتوسط وقريبة من القارة الأوربية، الأمر الذي جعلها هدفا للحملات الصليبية والمد الإمبريالي والغزو الاستعماري. وقد شكلت هذه المجموعة القبلية عبر العصور حاجزا منيعا لهذا التغلغل، وما وجود مقابر وروضات متسعة الأطراف على طول شواطئ غمارة تعرف بمقابر المجاهدين، والتي لا زالت مائلة إلى يومنا هذا إلا دليل على الدور الفعال الذي لعبه الغماريون في الدفاع عن حمى الدين وحوزة الوطن فهذه المقابر تحوي رفات المجاهدين الذين سقطوا شهداء برصاص ومدافع المستعمر البرتغالي والإسباني. ولعل أصدق ما قيل في حق قبائل غمارة المجاهدة، خصوصا في دورها الريادي في الدفاع عن حوزة الوطن ومقاومة الحملات الصليبية والعزوات العسكرية منذ الفتح الإسلامي، ما لخصه لنا جنرال إسباني أوكلت إليه حكومته مهمة القضاء على المقاومة المسلحة المغربية بقبائل غمارة في العقد الثاني من القرن الماضي، وهو الجنرال "فيرناندو كاباث" CapazFernando، الذي يقول في محاضرة حول تاريخ القبائل الغمارية ألقاها بالنادي العسكري بتطوان يوم 6 ذي الحجة 1350ه موافق 14 مارس 1932، ما يلي: "تمتاز قبائل غمارة عن باقي منطقة حمايتنا بكونها كانت آخر من استسلمت في المنطقة وقدمت طاعتها للخليفة السلطاني سنة 1927 وهذا ليس بغريب على قبائل برهنت دائما وأبدا على الدفاع عن ترابها بدليل: ✓أنها عند الفتح الإسلامي كان يحكمها زعيم غماري تمتد سلطته إلى الناحيةالشمالية الغربية من البلاد اسمه أليان الغماري؛ ✓أن الزعيم المذكور هو الذي ساعد على فتح الأندلس سنة 711م الذي قام به قائد أصله أيضا غماري من قبيلة بني ليت هو طارق بن زياد الليتي ؛ ✓أن الجيش الذي فتح الأندلس كان يتألف من 12000 مقاتل جلهم من غمارة لم يكن بينهم سوى 500 عربي ؛ ✓وفي الحروب التي جرت بالأندلس بين المسلمين والنصارى قد اكتسب المحاربون الغماريون شهرة كبيرة، حيث تصفهم المصادر الإسبانية والبرتغالية المعاصرة Valerosis gomeres الغماريون الشجعان، ✓وعند انهيار الخلافة الأموية بالأندلس كانت الأسرة الحمودية الحاكمة بسبتة هي التي حلت محل الخلافة الأموية بقرطبة، وذلك بمساعدة القبائل الغمارية؛ ✓وعندما احتلت البرتغال مدينة سبتة سنة 1415 ، انتقل جل سكان المدينة إلى ناحية غمارة، وأخذت هذه القبائل على عاتقها إقامة الرباط على سبتة ؛ ✓وقبائل غمارة هي التي تولت مهمة الدفاع عن حوزة البلاد حيث قاومت الحملات الصليبية البرتغالية خلال القرن الخامس عشر الميلادي؛ ✓وعلى إثر احتلال البرتغال لمدينتي أصيلا وطنجة سنة 1471، كان مولاي علي ابن راشد هو الذي أسس مدينة شفشاون بأرض غمارة، فكان أول رباط للجهاد تأسس بالمغرب لمواجهة الحملات البرتغالية ؛ ✓وكانت قبائل غمارة على رأس القبائل التي شاركت في الغزوات التي كان ينظمها ابن راشد ضد الثغور المحتلة آنذاك من طرف البرتغال، وهي سبتة والقصر الصغير وطنجة وأصيلا ، بدليل أن الجيش الراشدي كان له لفيف مكون من رجال غمارة، يعرف بلفيف ترغة؛ ✓وعندما بدأت الهجرة الأندلسية إلى المغرب على إثر سقوط غرناطة سنة 1492 اختار المهاجرون قبائل غمارة ومدينتي شفشاون وتطاون للاستقرار بهما ؛ ✓وبمساعدة المهاجرون تمكن مولاي علي ابن راشد من إنشاء قاعدة بحرية بقرية ترغة، وبها كانت دار صناعة وإصلاح السفن التي تولت القرصنة عبر البحر الأبيض المتوسط؛ ✓وعندما أنشأ السلطان مولاي إسماعيل الجيش الريفي لتحرير الثغور، نجد في المصادر الإسبانية أن القبائل الغمارية قد انضمنت إليه وشاركت في الحصارات التي أدت إلى استرجاع قصبة المعمورة سنة 1681 ومدينة طنجة سنة 1682 ومدينة العرائش سنة 1689 وحصن "البستيون" بالريف سنة 1702 … وقد لمس السلاطين العلويون وخصوصا السلطان المولى محمد بن عبد الله، عند زياراته وتفقده للشواطئ الغمارية، هذه الروح الجهادية لدى الغماريين الذين حبسوا أنفسهم للجهاد ضد القراصنة الأوربيين، متكلين على إمكانياتهم الخاصة من زكوات وأعشار وغيرها، فاتصل بالقبائل واطلع على أحوالها وخبر معنوياتها، فأعجب بشأنها، وأضفى عليها من تشجيعه وتقديره، وأصدر ظهائر شريفة تعطي لها الصبغة الرسمية، وتكفل لها البقاء، وتحيطها بهالة من التقدير والاحترام وتعفيها من الوظائف والكلف المخزنية (الزكاة والأعشار…)، ويجعل مهمتها المرابطة على الثغور وحراستها من الأطماع الاستعمارية الأجنبية. ومن بين الثغور الغمارية التي زارها السلاطين العلويون وأصدروا ظهائر برعايتها واحترامها نظرا لدورها الجهادي، مرسى قاع أسرس ومرسى ترغة ومرسى تيجيساس ومرسى تاركا ومرسى أمتار ومرسى تغسة ومرسى الجبهة. ومن هذه الظهائر ما يلي: نص الظهير الأول: "الحمد لله وحده صلى الله على سيدنا مولانا محمد وآله. إلى كافة قبيلة غمارة سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فها نحن كبرنا عليكم خديمنا أخاكم الشيخ علي بن قاسم بن مرزوق ووليناه أمركم وأسندنا إليه النظر في جميع مصالحكم وسائر منافعكم ومناجحكم وبسطنا يده عليكم منكم إليه ومنه إليكم فنأمركم أن تكونوا عند أمره ونهيه وتعملوا بقوله وتسمعوا لرأيه ومن خالفه منكم يخف على نفسه وتهلاوا وشدوا أرواحكم في العسة في مراسيكم المعروفة لكم مرسى تارغة وقاع أسرس وتيجيساس تاركا وأمثار وتغسة والجبهة وإياكم أن تفرطوا فيها أو تأخذكم غرة في العدو الكافر وفوضا لكبيركم القائد الشيخ علي بن مرزوق المذكور وأمرناه ان يتعهدها ويستنهضكم إليها والسلام. وفي ثامن شوال المبارك عام سبعين وماية وألف (25) يونيو (1757. طابع السلطان المولى عبد الله بن المولى إسماعيل". نص الظهير الثاني : "الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد واله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أثيرا (محمد بن عبد الله بن إسماعيل الله وليه ومولاه) حملته المجاهدون الأكرمون القبيلة البوزاتية من قبيلة غمارة عمرها الله يعلم منه أننا عظمنا المرساة الكائنة بتركة حرسها الله واحترمناها واحترمنها أهلها فهي معظمة محترمة إلى يوم القيامة مراعاة لثغر الجهاد المقابل لأعداء الله الكافرين جمرهم الله ولقربهم من الولي الصالح سيدي أحمد الفيلالي فزاويته محترمة موقرة معظمة ومن لاذ بها أو احتمى بها كائنا من كان كان امنا على نفسه ومن… فلا يلومن إلا نفسه وزكاتهم وأعشارهم في ضعفائهم والمجاهدين والواقف عليه يعمل به ولا يتعداه في رابع ذي الحجة الحرام عام واحد وسبعين ومائة وألف 8 غشت 1758) ". نص الظهير الثالث : أصدره السلطان محمد بن عبد الله يعفيهم فيه من الوظائف الحكومية والكلف المخزنية ويجدد لهم التوقير والاحترام. وهذا نصه : "الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد واله وصحبه (محمد بن عبد الله بن إسماعيل الله وليه ومولاه) جددنا بحول الله وقوته وشامل يمنه ومنته لحملته المجاهدين الأخيار جماعة بني بوزرة من قبيلة غمارة على ما بأيديهم من الظهائر الموجبة لهم الاحترام التام والتوقير الشامل العام فقد أبقيناهم على عادتهم المعروفة وأجريناهم على سيرتهم المألوفة فلا يجري عليهم وضيق لا قوى ولا ضعيف ولا يكلفون بكلفة من الكلف ولا القيام بالعسة في مرساة تركة وحراستها من العدو الكافر وما ينوبهم في جملة قبائل غمارة من قطع العود للمراكب وغير هذا لا يكلفون به وما يجب عليهم من زكاة وأعشار يصرفونه في فقرائهم، ومن طاف بساحتهم فلا يلومن إلا نفسه ولا يضر إلا رأسه والواقف عليه يعمل به والسلام وفي أوائل صفر الخير عام أربعة وسبعين ومائة وألف (11 شتنبر 1760)". العنوان: قبائل غمارة تاريخ وأعلام المؤلف: بوعبيد التركي منشورات باب الحكمة تطوان بريس تطوان يتبع...