تقع مدينة تطاوين في الطرف الشمالي الشرقي من شبه الجزيرة الأنجرية عند المنحدر الجنوبي لجبال الحوز الممتدة على طول الساحل المتوسطي عند خط طول 5.25 ° غربا وخط عرض 35° شمالا تقريبا، وهذه تنحصر وسط مجموعة من العوائق الطبيعية فالذروة الدلميتية تقف كحاجز يعطي انطباعا بوجود ارتفاعات، لكن هذه الارتفاعات نجدها ثقل كلما تدرجنا من الجنوب إلى الشمال، وتتميز بصخورها الكلسية المتدرجة والوعرة والتي عرت التساقطات جزءا كبيرا منها، وفي اتجاه البحر نصادف متونا شامخة وأحواضا داخلية وأودية عميقة تشرف على الساحل المتوسطي، وتنتهي هذه التضاريس بواسطة أجراف عالية تسمح بظهور سهول ضيقة على شكل أشرطة كما هو الشأن في الحوز وبليونش والملاليين ومرتيل وبني معدان وأزلا. ومدينة تطاوين قريبة من البحر بما فيه الكفاية مما جعلها منفتحة باستمرار أمام اختراقات محتملة. ومن الناحية البنيوية، فالمنطقة تشكل قسما من السلسلة الريفية التي لعبت دورا رئيسيا في عملية بناء الأديم الأعلى لحوض المتوسط الغربي، وهي عبارة عن تكوينات قديمة في شكل ثنيات موازية للساحل ترسم قممها أنصاف دوائر. وقد أفسدت كثير من العوارض تلك الطيات الأصلية وأحدثت في جانبية الأعراف أفاجيج عملت على تقطيع السلسلة، ومن أبرزها إفجيج وادي مرتيل الذي يفصل جبل غرغيز عن جبل درسة ويرجع إلى أصل تكتوني، وأعلى قمة في هذا الجزء هي حافة الوسط التي تبلغ 826 مترا، وينتهي فوق تطوان بجبل درسة الذي يصل ارتفاعه إلى 312 مترا، وتتميز السلسلة كذلك بوجود أحواض داخلية. وقد تصلب المستوى القديم عن طريق الحجر الجيري، وهي رواسب تعود إلى وجود عيون حارة شيدت عليها مدينة تطاوين كما أشير إلى وجود طبقات من الحث تحتوي على بقايا من الفحم في جانب جبل درسة." كما دلت بعض العلامات على وجود مناجم للرصاص في مرتفعات بني معدان المجاورة للمدينة ومنجم للنحاس بضواحي تطوان اكتشفه الفرنسي هليئو، ومنجمين آخرين للأنتيموان والمنغنيز، ودلت أعمال التنقيب على نتائج جد مشجعة في أوائل القرن التاسع عشر. أما وادي مرتيل فهو عبارة عن أخدود انهدامي في شكل مصاطب نتيجة الطمي الذي يعود إلى الزمن الثالث والزمن الرابع، وهذا الانكسار العميق يفصل بين سلسلتين: الحوز من جهة وبني حزمر من جهة أخرى، ويعد وادي مرتيل المجرى الطبيعي لهذا النهر الذي يصل إلى ضواحي المدينة في منطقة سهلية مرجة عبارة عن منخفض فيضي من تكوينات غرينية حديثة يرسم فيها الواد الحلو أو مرتيل" بعض المنعطفات قبل أن يصب في البحر. ويأخذ النهر أثناء جريانه عدة أسماء حسب الجهات التي يمر بها فيسمى: المطيربة وبوصفيحة والمحنش والصوير ومجاز الحجر ومجاز الشطبة ثم مرتيل وهو المتصل بالبحر، ويتلقى هذا النهر مياهه من ثلاثة سيول وهي الخميس والشقور والنخلة، ويأتي الأول من منحدرات جبال أنجرة والثاني من بني يدر وأما الثالث فمن بني عروس. ويعد السهل الجزء الرئيسي للمحاط الفلاحي بالمدينة، وهو متسع جدا يبلغ 1088 كلم2، وبالرغم من أن مجرى النهر صغير لا يتعدى صبيبه 50 مترا مكعبا في الثانية فإن الوادي يشكل غوطة صالحة لكل أنواع المزروعات، وكان يتوفر على فرشات مائية تغذي مجموعة من الأبار. ولكن إذا كانت التضاريس المنعرجة تارة والمنبسطة طورا تظهر للوهلة الأولى أنها مساعدة على قيام نشاط فلاحي بمنطقة جبالة، فإن مشاكل من نظام تشكل بنيوي تقف عائقا أمام هذا النشاط بالرغم من بعض الإمكانات التي يتيحها مناخ المنطقة. إن ظهير تطوان جد رطب حيث تبلغ كميات التساقطات أحيانا أقصاها بالمقارنة مع باقي مناطق المغرب، وهو يعرف فصلين متباينين: فصل رطب وبارد نسبيا خاصة في المرتفعات، وفصل جاف وحار. وتجدر الإشارة إلى أن التساقطات القوية التي تأتي خاصة بعد فترات الجفاف تزيد من عملية النحت ومشكل التصريف، فإبان السنوات المطيرة يغطي الفيضان الأراضي الصلصالية وسط سهل مرتيل، وتستمر المياه الراكدة هذه الأراضي لفترات طويلة مما يحول دون استغلالها فلاحيا أو سكنيا. ويظهر تأثير الرياح قويا في منطقة تطوان ويكون لها انعكاس على الحياة البشرية، فنتيجة لموقع المدينة الجغرافي بالنسبة لخط العرض ولقربها من المضيق كانت ناحية تطوان كثيرة الرياح. وفي نفس الوقت، يتجلى تأثير البحر بصورة جد محسوسة نظرا لهيمنة الرياح التي تهب من المحيط الأطلنتيكي المعروفة ب "الغربي" والآتية من البحر الأبيض المتوسط والمدعوة ب "الشرقي"، وينعكس تأثير الرياح الشرقية بشكل سلبي على الملاحة البحرية خاصة في مرسى تطوان . وفي مناطق التقاء التضاريس العالية بالسهل الغريني نجد تربة ثقيلة محملة بالحصى، وهي تستغل زراعيا بفضل توفر مياه العيون الغزيرة مما ساعد على قيام فلاحة كثيفة وعلى غراسة الأشجار المثمرة كما كان الشأن في ناحية كيتان. وجميع هذه العناصر الطبوغرافية والمناخية لها انعكاس شديد على نفسية السكان وعلى نمط عيشهم، فكل ذلك ترك بصماته بدرجات متفاوتة على مورفلوجية مدينتهم، فبفضل توفر الطين البليوسيني تطورت في تطوان صناعة الفخار بشكل جيد وازدهرت صناعة الزليج التي لعبت دورا أساسيا في المعمار. ثم إن الأحجار والأجور التي شيدت بها أسوار المدينة كانت تجلب من القمم الصلصالية ومن الغرين المتوفر بالوادي، وكما أن وجود الحجر الجيري زودها بمواد خفيفة وصلبة في نفس الوقت. وإذا كان موقع تطاوين وموضعها غير محددين في العصر القديم بشكل دقيق، فإنه في العصر الوسيط وما تلاه برزت مجموعة من الإيجابيات بالنسبة لاختيار موضع المدينة الذي ارتبط بالخصائص الجغرافية للمكان كبعده عن التعرض لفيضانات النهر من جهة، وتحصنه من الغارات والاستعداد لمباغتة العدو وترصده من جهة أخرى. وهكذا فإن النواة الأصلية للمدينة قد احتلت الموضع المحصن عند سفح جبل درسة متخذة من المنحدر حماية طبيعية لها من المسألتين المذكورتين، وفي نفس الوقت فإن الموضع المنعزل جعلها في مأمن من التغيرات الكبرى التي حدثت في فترات تاريخية متعاقبة، وخلق لدى السكان نزوعا شبه أكيد نحو الخصوصية أو «الذاتية» نتج عنه في جميع مظاهر الحياة الاجتماعية أصالة ميزتها عن باقي المدن المغربية الأخرى، وأما الموقع فحددته صلتها بما والاها، وكما يرى ابن خلدون فإن المدينة التي لا توجد لها ضاحية لا تعد مدينة، لأنها لا تستمر إلا بما حولها. وهناك ضرورة توفر المياه وهي شرط ثابت ويستدل به على إشتقاق اسمها كما سنبين. تطوان في القرن الثامن عشر (السلطة المجتمع الدين) للمؤلف: د. عبد العزيز السعود منشورات جمعية تطاون أسمير بريس تطوان يتبع…