أسدل الستار عن معرض الفن المعاصر للفنان مروان عوينات المقام ب"فيلا ديل أرتي" بالرباط يوم 27 يونيو، وذلك بعد أن كان افتتاحه بتاريخ 5 ماي من العام الجاري، على نحو ما هو واضح من خلال ملصق المعرض المنشور أسفله: أهم ما ميز الأعمال الجديدة التي قدمها عوينات في هذا المعرض هو طابعها التجريدي الخالص، وإن كانت الألوان التي شكلت كنهها تشي بانتمائها إلى ثقافة بصرية ذات أصول إفريقية، ولعل أسطع علامة على ذلك وأولها على الإطلاق الملصق أعلاه الذي يضم بدوره ما يعطي الانطباع بوجود موضوع ذي صلة بالكوكب الأرضي بصفة عامة ويرتبط بما هو قاري بكيفية خاصة.وبالنسبة لهذا الفنان فإفريقيا كموضوع للفن لا يعني مجرد تقليد فني متبع بعد الاهتمام الذي أولته الحركة الطليعية بالفنون البصرية الإفريقية، بل هو شعور داخلي منبعث من الانتماء إلى جذور هويتية مكانية وبشرية محددة والارتباط بأصول ثقافية تشربتها الذات المبدعة ونهلت من معينها المغربي منذ الطفولة، أي في الأزمنة الأكثر براءة في حياة الإنسان. إن كثيرا من الأسئلة حول أعمال الفن يجب البحث عن أجوبتها في سيرة الفنان، والمثير أكثر في سيرة مروان عوينات هو أن والدته فاطمة الضعيف كانت قد ابتدأت حياتها كمعلمة في صناعة الزربية، ولكنها تواصلها الآن كفنانة عصامية بعد معرضها الأخير المقام في المركز الثقافي أكدال من 16 إلى 22 مايو 2023، وذلك بالتنسيق مع مقاطعة أكدال، والذي طورت فيه تجربتها بالدخول في سياقات سردية من خلال الاهتمام بذكريات الماضي واستعادتها على سبيل التأريخ.بحيث يمكن القول من باب المجاز على الأقل بأن مروان رضع الفن من ثدي أمه. ولقد سبق لي أن قلت في يوم ما بأننا أمام نموذج آخر مختلف عن مثال علاقة المرحوم الفنان الحسين طلال بوالدته المرحومة الشعيبية.أليست الأم هي المعشوقة الأولى لكل إنسان؟ إن ملاحظة وجود نماذج غير قليلة من هذا النوع السابق في بلادنا، لا يتسع المجال لذكرها، حيث تظهر الفاعلية الفنية عند أكثر من فرد واحد في الأسرة، أو كأن يوجد نشاط فني ذو صبغة احترافية عند الأب والبنت أو الأم والابن أو الزوج والزوجة …تدفع إلى طرح السؤال بعد مرور حوالي ثمانية عقود من نشأة هذا الفن بالمغرب عن إمكان الحديث عن إعادة الإنتاج الاجتماعي في مجال الفن التشكيلي المغربي.وإذا كانت النماذج المبكرة لهذه الظاهرة قد حظيت بالاهتمام، فلماذا لا تلاقي النماذج المتأخرة اهتماما مماثلا؟ يبدو لي من ناحية معينة بأن خدمة الثقافة المغربية تملي البحث عن التجارب التي تميز الإبداع المغربي، والتنقيب عن الطاقات التي تفجرت بعد مرحلة كمون طويلة، وتشجيعها بتوفير كل احتياجاتها، بدل العيش على التجارب الماضية من أجل إشباع الشوق والحنين إلى ما كانت الأمور عليه، مما يؤدي إلى التضحية بكل ما هو جديد ومتجدد لصالح القديم.