سيظل المغاربة عامة والجمهور الرياضي بصفة خاصة يذكرون بحسرة ليس فقط خروج نادي الرجاء البيضاوي لكرة القدم من ربع نهائي دوري أبطال إفريقيا، على إثر انهزامه أمام فريق الأهلي المصري في مباراة الذهاب بحصة (2/0) يوم السبت 22 أبريل 2023 الذي صادف يوم عيد الفطر بالمغرب، واكتفائه بالتعادل السلبي (0/0) في مقابلة الإياب يوم السبت 29 أبريل 2023 بالمركب الرياضي محمد الخامس بمدينة الدارالبيضاء، بل كذلك بما سبق صافرة انطلاق المقابلة من فاجعة مؤلمة تمثلت في وفاة إحدى المشجعات الرجاويات المسماة "نورا" بمحيط المركب الرياضي، التي قيل بأنها قضت بسبب الفوضى العارمة التي عرفتها إحدى بوابات الملعب. وبصرف النظر عن دواعي هذا الإقصاء المذل، الذي أبان عن أن هناك اختلالات كبيرة داخل الفريق البيضاوي الأخضر الذي عجز عن التسجيل أمام ذلك الزخم الهائل من الجماهير التي ظلت تشجعه حتى الدقيقة الأخيرة من المباراة، فإن ما يهمنا هنا هو فقدان شابة مغربية تبلغ من العمر 29 سنة ظلت تعشق "الرجاء العالمي" حتى النخاع منذ نعومة أظافرها، إذ طالما تنقلت معها داخل وخارج المغرب، والتي يقال إن سبب الوفاة يعود بالأساس إلى حادث التدافع والازدحام بين مناصري الفريق أمام أحد المداخل. ذلك أن الضحية نقلت على وجه السرعة إلى المستشفى الجهوي مولاي يوسف بالدارالبيضاء لتلقي الإسعافات الضرورية قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، حيث كانت يد القدر أسرع في اختطاف روحها الطاهرة، مما خلق حالة من الارتباك في أوساط اللجنة المنظمة والسلطات العمومية، وشكل صدمة قوية للمقربين منها ومن عائلتها، بل ولكل المغاربة من مشجعين ومختلف مكونات نادي الرجاء البيضاوي، فمن يا ترى المسؤول عن هذه الفاجعة التي خلفت جروحا عميقة لدى الجمهور الكروي؟ فالمؤكد وحسب ما يروج من أخبار موثوق بصحتها بين الحاضرين لحظة وقوع الراحلة "نورا" على الأرض وعبر منصات التواصل الاجتماعي، هو أن هناك إجماعا واسعا حول سوء تنظيم عملية دخول أنصار الفريق إلى المركب الرياضي محمد الخامس، بينما وجهت مصادر أخرى أصابع الاتهام إلى الشركة المكلفة بتنظيم المباريات التي يستقبلها الملعب، التي مازالت غير قادرة على ضبط الأمور بشكل سليم، كما يتضح من خلال الكم الهائل من التذاكر المزورة، الذي فسح المجال أمام الحضور الكبير من الجماهير. وفي ظل تضارب الآراء حول الأسباب الحقيقية الكامنة خلف هذا الحدث المأساوي المفجع، بين من ينسب الأمر إلى الازدحام والتدافع وبين من يحمل المسؤولية لبعض رجال الأمن وبصفة خاصة الجهة المنظمة، أصدرت السلطات المحلية لعمالة مقاطعات الدارالبيضاء-أنفا بلاغا تعلن من خلاله عن تدخلها العاجل بمعية مصالح الوقاية المدنية فور إشعارها بالحادث، لتقديم الإسعافات الأولية للضحية بعين المكان في محيط المركب الرياضي محمد الخامس، والإشراف على نقلها السريع إلى المستشفى المشار إليه أعلاه، حيث أسلمت الروح إلى بارئها هناك. وكما هي العادة في مثل هذه الأحداث المؤلمة والفواجع المأساوية سارعت المصالح المعنية تحت إشراف النيابة العامة المختصة إلى فتح بحث، بهدف الكشف عن ظروف وملابسات هذه الواقعة التي أحرقت قلوب الجماهير الرياضية وخاصة الرجاوية وأدمعت عيون المغاربة قاطبة. بيد أنه لم يعد اليوم من أحد يثق فيما يفتح من تحقيقات ويصدق ما تأتي به من نتائج، لكون معظمها لا ترمي أحيانا سوى إلى محاولة ذر الرماد في العيون وامتصاص غضب الشارع… فالحقيقة التي يكاد بريقها يعمي العيون ولا تستدعي إضاعة المزيد من الوقت في التحقيقات الصورية، هي أنها ليس المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه الفوضى التي طالما تم التنبيه إليه من قبل ذوي النيات الحسنة، والتحذير مما يمكن أن يترتب عنها من أحداث مأساوية، ما لم تتدارك الجهات المعنية الأمر وتعمل على تجاوز كل الاختلالات القائمة. إذ سبق لذات الملعب أن شهد في منافسات سابقة فوضى بداخله وخارجه، جراء سوء التنظيم وعجزه عن استيعاب حشود غفيرة من الجماهير الرياضية، التي لم تنفك تحمل كامل المسؤولية لشركة التنمية المحلية "كازا إفنت"، خاصة أنها أكدت في فرصة سابقة بأن المركب الرياضي محمد الخامس أصبح محصنا من حدوث أي انفلات من خلال تزويده ببوابات إلكترونية، ولا يمكن لأي مشجع المرور عبرها إلا إذا كان يتوفر على تذكرة حقيقية وغير مزورة. ثم أين نحن من تلك الميزانيات الضخمة التي صرفت في السنوات الأخيرة من أجل إعادة تهيئة الملعب وجعله أكثر قدرة على التنظيم وتحمل الضغط المحتمل إبان المباريات والتظاهرات الرياضية الكبرى؟ ختاما لا يسعنا إلا أن نترحم على الفقيدة "نورا" سائلين الله لها المغفرة والرضوان، ويسكنها فسيح الجنان، ويلهم ذويها الصبر والسلوان. وأن ندعو كبار المسؤولين إلى التعجيل باجتراح الحل الأنسب لهذا المشكل المؤرق، الذي بات يقلق راحة الجماهير الرياضية والأسر المغربية، ولاسيما أن انتقادات واسعة حول تهيئة هذا الملعب الشهير وتسييره لم تفتأ توجه إلى شركتي "كازا إفنت" و"الدارالبيضاء للتهيئة"، من لدن المنتخبين وجماهير الناديين البيضاويين الرجاء والوداد وعموم الساكنة البيضاوية، فضلا عما أنفق عليه من أموال باهظة دون أن يحظى للأسف بما يستحق من إصلاح وعناية وتهيئة بالشكل الذي يجعله يرقى إلى مستوى صورة عاصمة المغرب الاقتصادية.