هذه الحظوة، ومقام الرفعة، وسلطة النفوذ التي نالها السفير والعامل عبد القادر أشعاش، مستها عين الحاقدين والحاسدين الذين وسوسوا للسلطان بما أغروه به من إتهامات نسبت إليه. من ذلك هذه الرسالة التي وجهها عامل العرائش الطالب بوسلهام بن علي إلى السلطان عبد الرحمن بن هشام التي تخص عبد القادر أشعاش في تعامله مع الأجانب بأسلوب المبالغة ومن جواب السلطان الآتي إلى بو سلهام بن علي يتضح ذلك: الحمد لله وحده .. وصلى الله علي سيدنا محمد واله . عبد الرحمن بن هشام الله وليه .. خديمنا الأرضى الطالب بو سلهام بن علي، وفقك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد فقد وصلنا كتابك مخبرا بما عثرت عليه من مخاطبات الحاج عبد القادر أشعاش لقنصو جنس الإنجليز بالتعظيم والتفخيم الخارج عن قياس الشرع والطبع حسبما بنسخة كتابه الواصلة، فقد طلعنا بذلك وأنكرناه ، وتلك ردة أو قريب منها، فإنه لا يخاطب الكفار بذلك إلا من رق دينه وطمس الله على بصيرته، وما كنا نظن مسلما يتجاسر على مثل ذلك، وقد أحسنت في التنبيه عليه، إذ الغيرة الدينيةعلى مثل هذا من حق الله الذي تجب المبادرة إليه، وها نحن كتبنا له كتاب توبيخ وتقريع على ما صدر من هذا الخطاب الفظيع . ولعل ذلك من قبل كتابه وعدم تنبيهه، والله يصلحك و السلام .. في 18 شعبان الأبرك عام 1263… ومعلوم أن بوسلهام بن علي كان في هذه الفترة وزيرا للخارجية، يباشر شؤون الأجانب من العرائش، وكان ملما بالمراسلات الأجنبية، وطريقة خطاب الأجانب، وبدل من أن ينبه مباشرة بما كتب به العامل عبد القادر أشعاش، وشاه غلى السلطان كتابة. وفيما يلي رسالة السلطان التوبيخية إلى أشعاش : الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله عبد الرحمن بن هشام الله وليه .. خديمنا الأرضى الحاج عبد القادر أشعاش، وفقك الله وسلام عليك ورحمت الله تعالى وبركاته .. وبعد، فقد بلغنا أنك تخاطب قنصوات الأجناس بألفاظ من التعظيم خارجة عن القياس لا يقبلها شرع ولا طبع، كما فعلت في كتاب لقونص جنس الإنجليز من قولك الجانب المعظم والقونص اللبيب الأفخم، وغير ذلك مما تأباه الشريعة الإسلامية والحقوق الدينية، وتتنزه عنه النفوس العالية وتأنفه الهمم العربية، حسبما وقفنا على ذلك في نسخة كتاب، فينبغي أن تنزلهم حيث أنزلهم الله، ولنا إسوة بمولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مخاطبته لأكابر ورؤساء دولهم بعظيم الروم وما أشبه ذلك، فضلا عن القونصوات الذين هم أحط منزلة وأدنى مرتبة، وحفظ المراتب معمول به، على أن (مسطر) التي ركب لنفسه هذا القونصو الانجليزي قبحه الله، كشف الغيب أن معناها عندهم بالرومية، سيدي والتنبه في مخاطبتهم والإحتراز في محاوراتهم مما يتأكد، لئلا يقع الإنسان في نقص من دينه، فتنبه لذلك وتفطن، ولا تطلق العنان لكتابك وتغفل عن هذا وشبهه مما يوقعك فيما نهى الله ورسوله عنه والمومنون، فإنا نغار على الدين وعليك لأنك غرسنا لانحبك إلا ما يرضي الله ورسوله ويرضينا، وهذا الواقع إنما هو من جهل الكتاب وعدم ثباته، وإلا فلو خاطبته أنت بما لا يليق لردك عنه، فينبغي أن ينزلوا حيث أنزلهم الله . والسلام في 18 شعبان الأبرك عام 1263 .) (1846). الكتاب: سفراء تطوان على عهد الدولة العلوية للمؤلف: محمد الحبيب الخراز (بريس تطوان) يتبع...