أشفق على من ﻻ ضجيج يتربص بقلوبهم وﻻ دوي يتمكن من أفكارهم، يغوصون في بحر ﻻ يسبرون غوره ويحسبون المياه تداعبهم وهم في غرقهم يتخبطون.. وبين كل ما قد يموت فينا، يتراقص ضميرهم ويعلن قراره بالرحيل. أشفق على إحساسهم الذي فقد إحساسه بهجرة أرفع خيوطه وأغلاها، وواكب غزله لكومة صوف من العلل تشكلت.. أشفق على باطنهم الذي جاهر بالوضع الصائت وسط ضوضاء يجاهرون بها.. أشفق على حياتهم التي شيدت بطيش وتأزرت أعتم الألوان.. أشفق عليهم وقد تعملق فيهم عشق جولات سيرك الحياة الساحرة، تفانوا في مطاردتها وهم يظنون أنهم بفعلهم هذا قد يكشفون الخدع المبهرة! لم يدر في خلدهم قط أن السحر قد ينقلب على الساحر عينه يوما.. أشفق على جوهرهم الذي تجرد من بريقه واكتسى رداء من الندبات والخدوش نسج…! وعلى نفسهم التي أبت أن تلومهم واختارت المتابعة عن بعد.. أشفق على ذاك الأنا الذي طعن بداخلهم.. على ذاك الكيان الذي اهتز بغير علمهم.. على تلك الروح التي انتحرت وهم على قيد الحياة… وهم يعيثون في الدروب عالة عليها… وهم يزاولون مهنة العدم..!! أشفق على من اختاروا الممات أثناء حياتهم.. على من تفانوا في اقتلاع مشاعرهم الواحد تلو الآخر.. على من تمردوا بعنف على المبادئ وهرولوا نحو الهاوية.. أشفق عليهم ويؤلمني توهانهم في مدارات ﻻ نهاية لها، فاللعبة ستنتهي يوما ولن يستشعر دوارهم أحد. أشفق على الماضين دون وجهة، والقاطنين دروب الفساد، والراسمين الأبواب التي لن تفتح في وجوههم أبدا.. أشفق عليهم وظنونهم الآثمة بأنهم قد ارتقوا بالخصال وقبلوا القمم وإن بعد الظن إثما… أشفق عليهم والأيام منهمرة من التقويم دون وجهة والتقويم يلتهم السكك دونما رجعة.. أشفق عليهم والمدارات قررت التوقف عن الدوران منذ وطأت أقدامهم العثرة زقاق الحياة. هي حياة البؤس الروحي والركود المعرفي التي يعشقها البعض فتغدو جحيما لهم، يثابرون من أجل حجز مقعد في ربوعها ثم يرتمون إلى أحضان الشكوى متبرمين متهمين الحياة بالظلم والاستبداد… ولأن العدل نحن من نصنعه لا هي، فلا جدوى من البكاء خلف أسوار أعلاها الباكي بيديه.. لاعدل لمن هرول خلف الظلام ولا لمن التحف اليأس واللهو والقسوة طواعية.. لاعدل لمن تبرأ من إنسانية كانت تسكنه ويسكنها ولا لمن مشى فوق الألغام بقدميه.. هي حياة نحن من نختارها ونصنعها، فإما أن نكون بخير وإما أن نكون موضع شفقة.