كيف مكن أن تطرح إشكالية الخصوصية و العالمية لمدينة تطوان العتيقة؟ هل يجب أن نختار احد البعدين و نرفض الآخر؟ أم يجب اعتبار البعدين متكاملين؟ هل يطغى أحدهما على الآخر ليأخذ الصدارة؟ إن خصوصية مدينة تطوان العتيقة هي التي تميزها عن غيرها من المدن المغربية، ولكنها تعتبر في الوقت ذاته جزءا لا يتجزء من المدينة المغربية.
تمثل مدينة تطوان الثقافة المحلية التي ظلت تغني الثقافة الوطنية عبر القرون، لأن الثقافة المغربية تتميز بالتنوع في إطار الوحدة، إلا أن مدينة تطوان أصبحت بحكم موقعها الجغرافي المطل على حوض البحر الأبيض المتوسط، وبحكم تاريخها المحلي الفريد منتجة لثقافة متميزة، تأثرت بالحضارة الأندلسية، و بالحضارة العثمانية، وثقافات أعرق المدن المغربية كفاس، و بمنطقة جبالة والريف، إضافة إلى جالية اليهودية بتطوان بصفتها مركزا تجاريا، وعاصمة المغرب الدبلوماسية خلال القرن الثامن عشر. و التداخل بين خصوصية مدينة تطوان العتيقة وطابعها العالمي، يعود لكون المجتمع التطواني كان وما يزال يتكون من عناصر بشرية متنوعة هاجرت من الأندلس و الجزائر ومناطق مغربية مختلفة كمنطقة الريف وجبالة، لكن المجتمع التطواني حافظ على مميزاته الأساسية تاريخيا واجتماعيا و ثقافيا. وساهمت هذه العناصر في تطور هذا المجتمع و في إغنائه بتقاليدها المختلفة. السؤال المطروح الآن هو كيف يمكن للمجتمع التطواني حاليا أن يحافظ على إرث مدينته الثقافي و الحضاري؟ وما هو دور هذا الإرث في توجيه المدينة مستقبلا من الناحية الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية؟ لا بد، في اعتقادي من التركيز على مدينة تطوان العتيقة التي حافظت على معالمها الأثرية وتقاليدها الاجتماعية، وإرثها الثقافي والفكري خلال القرون الخمس الأخيرة. إن قصبة سيدي المنظري الذي أسس تطوان من جديد بعد أن خربها الإسبان في القرن الخامس عشر، ما تزال صامدة رغم مظاهر الإهمال، كالأشجار التي نبتت في أسوارها، أو العائلات التي تسكن في بيت تم بناؤه فوق سورها.
وما زال حمام سيدي المنظري موجودا، رغم أن مالكه الجديد يقوم حاليا بإصلاحه ليحوله إلى متجر للنظارات، بجانب مقاطعة مسجد القصبة، ومثل هذه الظاهرة لم تعد غريبة في تطوان الآن فقط، فقد تم هدم منزل قديم بجانب سقاية باب العقلة التي بناها حاكم تطوان عمر لوقش في القرن الثامن عشر ليتم بناء عمارة، بدلا من ضمه إلى المتحف الإثنوغرافي بجانبه.
ولا نستغرب هذه الممارسات، إذا اعتبرنا أن محطة القطار التي دشنها الملك الاسباني ألفونسو الثالث عشر سنة 1929 تسكنها ست عائلات، وأن هذه الوضعية عرقلت تحويل هذه المحطة إلى متحف للفنون التشكيلية الذي تفتقر إليه مدينة تطوان.
إن المشاكل التي تواجهها مدينة تطوان العتيقة صعبة جدا و معقدة، و لا يمكن التغلب عليها، إلا إذا تضافرت مجهودات المسؤولين المحليين والوزارات و الجامعة والجمعيات غير الحكومية، إلا أن التنسيق بين هذه الجهات ضعيف الآن.
لا بد من تحسيس الجمهور العام بأهمية تطوان الثقافية من جهة و بخطورة المشاكل التي تهددها من جهة أخرى. و لابد من تحديد مآثر المدينة وتصنيفها و التعريف بها. و لا بد من طرح الفراغ التشريعي الذي تعانيه المدينة، و لا بد أيضا من وضع مخطط لتوجيهها توجيها سليما مستقبلا.
منشورات جمعية تطاون- أسمير "تطوان و سياسة التنمية الاقتصادية و تدبير التراث الثقافي"