إن الحديث عن اهمية الانتخابات تشريعية كانت أم جماعية تجعل الباحث أو المهتم بهذا المجال أن ينظر إليها كآلية سياسية وتقنية في نفس الوقت , يمكن لأي نظام سياسي دو توجه ديمقراطي ان يعتمد غليها ويستند على مرجعتيها القانونية لإضفاء نوع من المشروعية السياسية على طبيعة اشتغال مؤسساته الدستورية. وذلك باحتكامه على صناديق الاقتراع وبإيمانه بالمنهجية الديمقراطية لان هذه الالية الانتخابية تعتبر الممر الامن والمسلك القانوني السليم لممارسة السلطة والتداول عليها بطريقة مشروعة ، بحيث تجعل كل القوى السياسية الفاعلة ان تنظر الى واقع المشهد السياسي بنوع من الرضا والثقة في حركية التناوب على ممارسة السلطة. وبما ان الطرق الشعبية او الديمقراطية في اختيار الحكام تنحصر في طريقة واحدة هي الانتخابات اي اختيار الناخبين لبعض المرشحين لولاية امرهم نيابة عنهم . فان ظهور هذا الحكم النيابي او غير المباشر يبادر فيه الشعب الى ا ختيار بعض ابنائه لتدبير شؤون الحكم وتولي اموره نيابة عنه ،كما ان هذا الاختيار يتم في العادة لمدة زمنية مؤقتة ويظل فيه هؤلاء النواب تحت المراقبة المستمرة للناخبين . علاقة بما سبق يتبين ان الانتخاب من طرف البعض يعتبر حقا لمن يحسن القيام به نظرا لما له من اهمية بارزة في اختيار احسن و افضل الحكام المسؤولين عن تدبير شؤون المجتمع والمكلفين برعايته . كما انه يشكل في نفس الوقت واجبا على المؤهلين والقادرين على القيام به لصالح الجماعة. لذا فالباحث في شؤون السياسة يلاحظ ان اي نظام سياسي دو توجه او مسار ديمقراطي بإمكانه اختيار النظام الانتخابي الذي يراه ملائما لظروفه السياسية ومناسبا لطبيعة حكمه امام تعدد الانظمة الانتخابية المختلفة (الاقتراع العام والمقيد والاغلبية المطلقة والنسبية ونظام التمثيل النسبي) . لهذا السبب واستعدادا للاستحقاقات الانتخابية فالساحة السياسية المغربية في الايام الاولى من شهر مارس عرفت نقاشا حادا وساخنا بين جل الاحزاب السياسية المشاركة في الاغلبية الحكومية . هذا النقاش رغم بروز طابعه القانوني المرتبط بمشروع القانون التنظيمي الخاص بمجلس النواب واحكامه وشكله التقني فانه في حقيقة الامر لا يبرز بشكل واضح الاشكال الحقيقي الموجود في المشهد السياسي المغربي والصراع الساخن في المشهد الحزبي والتنافس الشديد حول كيفية وطبيعة التوازنات السياسية المراد تحقيقها في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة المزمع تنظيمها في بداية خريف هذه السنة 2021 . فالجدال السياسي المشحون الذي كان دائرا بين مختلف التيارات الحزبية المشاركة خصوصا في الاغلبية الحكومية , تركز بالخصوص حول آلية القاسم الانتخابي الذي ينبني احتسابه على اساس المقيدين في اللوائح الانتخابية دون اعتبار او الاعتماد على القاسم الانتخابي السابق المرتكز على قاعدة الاصوات الصحيحة . ان مشروع هذا القانون التنظيمي جعل المهتم بشان الانتخابات في المغرب يفهم ان طبيعة المذكرات والمقترحات المقدمة من طرف الاحزاب السياسية يستخلص من جوهر موضوعها انها جد متوجسة وخائفة من نية وهدف حزب العدالة والتنمية للمشهد السياسي خلال الاستحقاقات المقبلة .الامر الذي يفضي بهذه الاحزاب الى القبول بكل الاقتراحات التي قد تبدو في ظاهرها ثقنية ولكنها في العمق والحقيقة هي ذات طبيعة سياسية حسب بعض الآراء , من شانها ان تؤثر بطريقة غير مباشرة في ارادة الناخبين وتتحكم مسبقا في ترتيبها وفي توجيهها القبلي. وتماشيا في اطار موضوع المقال فالإشكالية الحقيقية التي يمكن طرحها في هذا الصدد هي كالاتي الى اي حد يتجلى او يبرز دور القاسم الانتخابي بتأثيره الفعلي على تشكيل الاغلبية الحكومية ؟؟ جوابا على هذا التساؤل واحتراما لمنهجية هذا التحليل ارتايت تقسيم مقالي هذا الى محورين اساسيين المحور الاول سأخصصه لمناولة الطرف المعارض لهذا القاسم الانتخابي وكذا علاقته بالاغلبية الحكومية وتشكله الحزبي اما في المحور الثاني سأركز على آراء التوجه المؤيد لهذا القاسم الانتخابي مع تفسير ارتباطه بتشكيل الاغلبية وطبيعتها السياسية وبعدها اي في الخاتمة سنشير الى بعض الخلاصات التي استقيناها بعد تحليل جل التفسيرات المتضاربة في مناقشة هذا الموضوع . المحور الاول : الطرف المعارض للقاسم الانتخابي الحالي فيما يتعلق بهذا التوجه السياسي المتعلق بحزب العدالة والتنمية الرافض لهذا القاسم الانتخابي، رأى فيه تراجعا عن المكتسبات الديمقراطية التي حققتها الدولة المغربية في شان المشاركة السياسية والمنهجية الديمقراطية التي نص عليها دستور 2011 . واصر على تكريسها وترسيخها في الواقع السياسي خصوصا وان مثل هذا السلوك او الممارسة الانتخابية تعتبر متناقضة مع القيم والمبادئ الدستورية الرامية الى تعزيز المؤسسات الدستورية ما دامت القوانين التنظيمية تعد منبثقة عن الدستور ومكملة له. كما انه يمس بالإرادة الحقيقية والحرة للناخبين وبالتصويت كحق وواجب دستوري في نفس الوقت ، بمعنى اوضح يشير هذا التوجه السياسي على واجب المواطن في المشاركة الفعلية في الاقتراع والتعبير المادي عن ارادته واختياره بواسطة الاقتراع والتصويت والانتخاب خصوصا وان المؤسسات المنتخبة ومنها مجلس النواب تتشكل بفعل ايجابي, بالتصويت و بالانتخاب والاختيار. اما التقييد في اللوائح الانتخابية فقط يعتبر عملا اداريا تمهيديا محضا ولم يرد في النص الدستوري كلاما عليه. كما يضيف هذا التيار الحزبي ان المادة 84 من القانون التنظيمي من الانتخابات رقم 21.04 المتعلق بمجلس النواب نسبت الى المقاطعين للانتخابات وعدم المشاركين فعل المشاركة والتصويت في الانتخابات و هذا ما نصت عليه المادة المذكورة, فهذا النوع من القاسم الانتخابي من دون شك سيكون من شبه المستحيل حصول اي لائحة ترشيح على عدد من الاصوات يعادله . بالإضافة الى ان هذا القاسم الانتخابي باعتماده عدد المقيدين ومنهم لم يدلوا بأصواتهم باحتساب من لم يصوت اصلا واعتباره مساهما في اختيار ممثله في البرلمان يطرح اشكالا يمس بجوهر الاساس الدستوري للنظام الانتخابي, ويكون بذلك سببا في الانتقاص من شرعية الحكومة باعتبارها منبثقة عن الانتخابات ولا تعبر بصدق عن ارادة الناخبين وتجعلها من دون معنى. لان نتائجها لا تساهم بتأثيرها في ادارة الحكم وهذه الامور كلها تفضي الى انخفاض معدلات المشاركة السياسية في الانتخابات ولما لا الى العزوف السياسي. ويضيف في الاخير هذا التوجه السياسي ان القاسم الانتخابي الحالي يخالف المفهوم العلمي والعملي المقرر تطبيقه عالميا في مصادر ومراجع فقهاء القانون الدستوري المتعلقة بالأنظمة الانتخابية. بحيث انهم اجمعوا على اعتماد الاصوات الصحيحة في معادلة حساب القاسم الانتخابي, لان كل تجارب الدول الديمقراطية وغيرها تبنت نظام التمثيل النسبي معتمدة على المفهوم الكوني في تحديد القاسم الانتخابي القائم على الارتكاز على الاصوات الصحيحة لتكريس مبدأ صدقية الانتخابات. امام كل هذه الانتقادات الشديدة التي وجهها حزب العدالة والتنمية لهذا القاسم الانتخابي يبدو جليا ان مبرر شراسة هذه المعارضة تنم عن جسامة خوف هذا التيار الحزبي من عدم تصدره لنتائج الانتخابات في الاستحقاقات التشريعية المقبلة وبالتالي خسارته لقيادة الحكومة ولزعامة المشهد السياسي وفقدان هيمنها السياسية داخل السلطة التشريعية وحينذاك يعطي الفرصة في الاخير لبقية الاحزاب المتوسطة والصغيرة ان تقوي وضعيتها الترتيبية ومكانتها السياسية في الفضاء السياسي المغربي. وبطبيعة الحال الارتكاز على هذا القاسم الانتخابي المبني على قاعدة المسجلين في القوائم الانتخابية سيجعل جل الاحزاب السياسية وبالأخص المتوسطة ممثلة داخل مجلس النواب بحصة من المقاعد البرلمانية دون هيمنة اي حزب سياسي في السلطة التشريعية او التغول في المشهد السياسي المغربي وبذلك تكون النتيجة على مستوى تشكيل الاغلبية الحكومية هي عبارة عن فسيفساء سياسية وحزبية ذات طبيعة ائتلافية يصعب الحصول عليها بسهوله الى بعد جهد جهيد في المفوضات بين رئيس الحكومة وباقي الامناء العامين للأحزاب السياسية المشاركة في الاغلبية . المحور الثاني : الطرف المؤيد للقاسم الانتخابي الحالي عكس ما سبق ذكره في مضمون التيار الحزبي المعارض لهذا القاسم الانتخابي فالطرف المؤيد لهذا الاخير يستند في البداية على مشروعيته القانونية التي وافقت عليها وزكتها المحكمة الدستورية. يدافع عليه لأنه حسب رايه وقناعته السياسية يمنح فرصة مهمة لكل الاحزاب المتوسطة للولوج بسهولة في المشاركة السياسية وبفتح المجال امامها للعب دورها في المشهد السياسي المغربي بمشاركتها الفعلية في تدبير الشأن العام الترابي. وطرح اقتراحاتها وتوجهاتها وبرامجها في السياسات العامة للبلاد عبر تواجد تمثيليتها في تشكيل الاغلبية الحكومية . كما اضاف مشيرا ان هذا النوع من نمط الاقتراع يخدم التعدد السياسي والحزبي ويسهم في تحقيق الاغلبية بناء على ائتلاف حكومي . ويبرر تشبته بهذا الرأي كون هذا القاسم الانتخابي يعمل على تكريس مبدأ الانصاف الانتخابي بين مختلف الاطياف السياسية, آما فيما يخص الادعاء الذي يقول ان عدد المسجلين له تأثير على الانتخابات بشكل او بآخر. فهذا التيار يفنده ويخالفه الرأي مدافعا على ان عدد الاصوات هو الفاعل المؤثر في نتائج الانتخابات وان هذا القاسم ربما سيعطي نوعا من التوازن في المشهد السياسي المغربي بتوسيع دائرة المشاركة السياسية وتحسيس الناخبين بأهمية مشاركتهم وتحميلهم جزء من مسؤولية البناء الديمقراطي. خصوصا وان نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية قد سجلت تراجعا مهما في الانتخابات السابقة بظهور التدني البارز الذي طال اقبال الناخبين على صناديق الاقتراع في انتخابات 2007 ثم بمناسبة انتخابات 2011 وفي انتخابات 2016. فأمام هذا الوضع السياسي كان الخيار المطروح ان تقوم الاحزاب السياسية بمختلف مكوناتها بمخاطبة قاعدتها الناخبة القارة ان تغيير مزاجها الانتخابي وقناعتها السياسية للرفع من معدل المشاركة السياسية مقابل برامج سياسية مقابل برامج وسياسات حزبية طموحة ومواكبة لتطور المجتمع. و ان يتم احتساب القاسم الانتخابي انطلاقا من قاعدة الناخبين المقيدين وهو ما سيؤدي الى تغيير مرجعية التمثيل السياسي ومكانة الاحزاب وحقيقة تمثيلها انطلاقا واعتمادا على معيار موضوعي هو قاعدة الناخبين المقيدين التي تتجسد بها الامة في الزمن الانتخابي. هذه الغاية نجد تكريسها بارز في تصدير الدستور من خلال اغلبية توطد مؤسسات دولة حديثة التي من بين مرتكزاتها هو المشاركة السياسية, كما يضيف هذا التيار الحزبي انه من بين ايجابيات هذا القاسم هو انه يسهم في المحافظة على نظام حزبي متعدد ويعطي في نفس الوقت معنى محددا لنتائج الانتخابات ولدورها الدستوري الكامل. بحيث تراعى العدالة في توزيع الاصوات اي الاقتراب ما امكن من ان تترجم الاصوات الى مقاعد وان لا يتم تكريس هيمنة حزبية ضخمتها تقنية الحساب والاحتساب زيادة انه يفتح المجال للتنافس السياسي ويسمح بإدماج انتخابي للمعارضة. استنتاجا لما ورد في السابق وامام تضارب الآراء واختلاف الافكار التي تشبت بها ودافع من اجلها كل طيف سياسي على حدى, يمكن القول حسب قناعتنا الفكرية ان اي تحول ديمقراطي في نظام سياسي معين تعيقه تحديات وتواجهه اكراهات كبرى. ولتفاديها وتخطيها من الأفضل ان نستعين باليات سياسية تفيد هذا التحول وتصب في اتجاه خدمته للنهوض به سياسيا , ومن بين اهم وابرز هذه الاليات هناك نمط الاقتراع الذي يعد مدخلا من مداخل الاصلاح السياسي لذا يلجأ المشرع المغربي من حين لأخر عبر المحطات السياسية السابقة الى تطبيق نمط من انماط الاقتراع يواكب المرحلة السياسية ويساير التوجهات الكبرى للدولة وبالتالي فالاهم ان القاسم الانتخابي يبقى احراء اداريا وتنظيميا وتمهيديا اعتمده المشرع لتهيئة الظروف خدمة للتعددية الحزبية والمشاركة السياسية تكريسا للمنهجية الديمقراطية التي نص عليها دستور المملكة الحالي . زيادة ان اي نمط من هذا النوع يتعلق بالأنظمة الانتخابية لا يمس بشيء او امر يتعلق بصلب الدستور ثم في غالب الاحيان تكون غاية المشرع في التفكير لتغيير نمط للاقتراع هو العمل على تشجيع اعادة الثقة بين الناخب والمنتخب واذكاء روح الحياة السياسية في المشهد السياسي واتاحة الفرصة لتكوين حكومة قادرة على تخطي الصعوبات وتجاوز التحديات دون تعطيل استقرار العمل الحكومي وتمكين البرلمان ليقوم بأدواره الدستورية. على هذه الافادات والتعليلات المتعلقة بالقاسم الانتخابي الحالي ولتحقيق شبه تفاهم سياسي وهدنة حزبية بين كل الاطياف المتعددة يتوجب لزوما على اي تيار سياسي او توجه ايديولوجي وبالضبط قبل الاستحقاقات الانتخابية ان يتحلى بنوع من الثقة وحسن النية تجاه المشرع في هذه المحطات السياسية المهمة . وان يبتعد عن التقييم الخاطئ لمثل هذه الاشكاليات السياسية ويعتمد على التحليل الموضوعي الحكيم بعيدا عن الدسائس السياسية والتتافس الحزبي المشحون الذي يروم تحقيق المصلحة الحزبية وقيادة الحكومة وبالتالي زعامة المشهد السياسي المغربي ولتجاوز هذه المشاحنات السياسية والصراعات الساخنة بين الاطياف السياسية جراء بعض الخلافات المتعلقة باليات تخص الانظمة الانتخابية يتوجب على هذه الاحزاب عوض ان تشن حروبا في هذا النوع من المجالات ، باعتبارها فاعلا محوريا في العمليات السياسية وركيزة اساسية في المشهد السياسي. ان تلعب دورها الايجابي بمشاركة سياسية تحترم قواعد اللعبة الديمقراطية خدمة للمصلحة العامة للوطن وهذا الاجتهاد في الممارسة السياسية لن يحصل الا بالقيام باصلاح بنياتها التنظيمية من الداخل وتفعل ترميم صفوفها بمبادرة تتصف بالجرأة السياسية والارادة الجماعية ، وتعمل على تغيير برامجها الحزبية واستراتيجيتها لتواكب التطورات السياسية والاكراهات المجتمعية الراهنة وذلك استشرافا للمستقبل. لكن الملاحظ السياسي الذي تابع بيقظة حادة الظاهرة السياسية الغريبة التي تميزت بالتصويت السلبي للقاسم الانتخابي من طرف فريق حزب العدالة والتنمية يستخلص ان الغاية من الرفض والمعارضة الشديدة لهذا النمط من الاقتراع هو توجسه من الخسارة في الرهان السياسي المقبل من جراء اضعاف قوته السياسية في المشهد السياسي المغربي حسب رأيه. ولربما سيعيد ترتيب امور خريطته السياسية وهندسته الانتخابية وسيخطو خطوة في الاتجاه المعاكس لهذا التيار الاصلاحي لأنماط الاقتراع ويرفض قواعد اللعبة السياسية ويصطف الى جانب الكتلة المعارضة للأغلبية الحكومية ويصبح في نهاية المطاف حزبا معارضا شديدا. وفي الختم ما دام موضوع الاغلبية الحكومية وارتباطه بالقاسم الانتخابي سيظل مطروحا للنقاش السياسي فالعبرة السياسية التي يمكن للدارس في هدا المجال ان يتعظ بها ويرتكز على قاعدتها هو ان جل التجارب الدستورية والسياسية المقارنة ابانت ان الدساتير التي تتبنى التنصيب البرلماني للحكومة بالاغلبية المطلقة خاصة في ظل التعددية الحزبية تعترضها صعوبات جمة في تشكيل حكومة تنبثق منها الاغلبية البرلمانية لان اي نظام سياسي يتشكل جهازه التنفيذي من حكومات ائتلافية قد لا يتسنى له في خضم التطورات السياسية المتغيرة والمتسارعة وتبدل مواقع الفاعلين السياسيين ضمان وتامين اغلبية مريحة ومتجانسة ومتناغمة من داخل مجلس النواب. لذلك نهتدي للقول ان تشكيل الاغلبية الحكومية تعتبر من اصعب اشد العمليات السياسية تعقيدا لما تنطوي عليه من متداخلات دستورية وسياسية تتأثر بطبيعة الحال بالسياق الداخلي والخارجي للنظام السياسي بالإضافة الى متغيرات الممارسة السياسية وما يطبع تحولات سلوك الفاعلين السياسيين. وحتى ولو تشكلت واصبح ميلادها الشرعي والقانوني امرا واردا فيصعب عليها تنفيذ برنامجها الحكومي في جو سياسي يسوده الانسجام ويطبعه التناغم اي سيحصل بلا هوادة كوكطيل سياسي غير منسجم وفي هذه الحالة تصبح الاغلبية الحكومية غير مرهونة بحزب واحد قوي او حزبين آخرين و ستكون مأمورية تشكيل هذه الاغلبية جد صعبة ولا بد من التعاون والتفاهم والاعتماد على مبدأ عقلنة الحوار السياسي بين مختلف الاطياف السياسية الممثلة في مجلس النواب للوصول الى الائتلاف في اخر مطاف هذه العملية الدستورية والسياسية واذا كان العكس فسنجد انفسنا امام تعتر استكمال هذه العملية في اخر مراحلها النهائية وبالتالي نكون امام ما يعرف بظاهرة البلوكاج الحكومي. بناء على هذه المعطيات التي وردت في تحليل هذا المقال فيبدو جليا انه من بين الحلول للخروج من نفق صعوبة تشكيل الاغلبية الحكومية في نظام سياسي دو طابع برلماني وتوجه سياسي يتميز بالتعددية السياسية هي المبادرة بالقيام بإصلاحات سياسية حقيقية لا يمكن اختزالها في قانون الاحزاب او في سن القوانين الانتخابية وانماط الاقتراع لان وقوع بعض الاهتزازات السياسية من حين لأخر ووجود عدة اختلالات هي اعمق من هذا وهي أيضا ذات طبيعة دستورية وسياسية بحيث يعتبر الاصلاح الدستوري بمثابة نقطة الانطلاق لورش الاصلاح السياسي .