سنحاول في هذا المقال أن نتحفظ على الاجابة،لأن المعالجة الصحفية للمادة التاريخية، تفرض علينا أخذ مسافة اتجاه المصادر المختلفة، فالكاتب الحقيقي عليه أن لا يكون، صديق المصادر العربية الاسلامية، ولا صديق المصادر الغربية المسيحية، بل دوره يقتصر على البحث عن الحقيقة، في إطار من التجرد والحياد والتوازن.
وفي هذا الصدد وجدنا أن المصادر العربية الاسلامية تحبذ إطلاق وصف "المجاهدين" على أبناء "ترغة" الذين كانوا يغيرون على السفن الغربية المسيحية، وتسمي عملهم هذا "بالجهاد البحري"، محاولين أن يصبغوا عليه الشرعية الدينية للجهاد البري، الذي انطلق من جزيرة العرب، ووصل الى بلاد الغرب الاسلامي،عن طريق عقبة بن نافع، وموسى ابن نصير.
في الطرف المقابل نجد المصادر الغربية خاصة الاسبانية والبرتغالية، تطلق على مقاتلي مرسى "ترغة" وصف "القراصنة"، وذلك لكونهم كانوا لا يميزون في غاراتهم بين السفن المدنية التجارية والسفن الحربية، كما أنهم كانوا يمارسون نوعا من حرب "عصابات البحر" حيث كانوا يعتمدون أسلوب المباغتة . " يضربون بقوة ويهربون الى مرسى "ترغة" محملين بالغنائم والأسرى قصد لاختباء، قبل أن يأتي المدد من طرف المدفعية المرعبة لقوات أسطول "الأرمادا الاسبانية".
عموما فالمصادر المذكورة تشير على أن مرسى "ترغة" كان معروفا بخبرة أبنائه بشؤون البخر والملاحة، حيث استقطب العديد من السفن "الجهادية" بالشريط الساحلي المتوسطي ،خاصة بعد سقوط جزيرة "بادس" بمنطقة الريف في يد الاسبان.
من جهة ثانية تفيد المصادر البرتغالية أن أسطول "ترغة"، كان مصدر تهديد دائم لملوك أوروبا خاصة ملوك اسبانيا والبرتغال،بسبب تحكمه في الملاحة البحرية بمنطقة بوغاز جبل طارق، حيث شكلوا "قوات مارينز" حقيقي بلغة العصر الحديث، مما اضطر معه الملك البرتغالي "مانويل الأول"، أن يصدر قرار حربيا استراتيجيا، يقضي بتدمير مرسى "ترغة" عن آخره، واحراق جميع السفن الراسية بحوضه.
وبناء على إفادة ذات المصادر البرتغالية، فإن الأمر الملكي بتدمير "ترغة"، تم اسناده الى "الأدميرال " "خورخي دي ميلو" حيث يشير المؤرخ "كويس" أن هذا الأسطول الحربي هاجم "ترغة" سنة 1502 لكنه اضطر للانسحاب،بسبب المقاومة الشرسة لمقاتلي "ترغة"، وقد نتج عن هذه الحملة وقوع اصابات عديدة كبيرة في صفوف القوات البرتغالية المغيرة.
ولم تكن هذه الحملة ضد مرسى "ترغة" هي الأولى أو الأخيرة من نوعها، بل تلتها حملات أخرى سنة 1481 و سنة 1491، كانت أخطرها الهجوم الليلي الذي شنه الأسطول البرتغالي سنة 1493 حيث تمكنوا من احراق أكثر من 20 سفينة، و أسر حوالي 200" قرصان = مجاهد" من أبناء "ترغة".
هذه الأضرار الكبيرة التي تعرض لها مرسى "ترغة" لم تفقده مركزه، كقاعدة بحرية مهمة في غرب المتوسط، حيث سيستعيد نشاطه "الجهادي" من جديد، بفضل الدعم الكبير والمؤازرة التي حظي بها من طرف الأمير مولاي "علي بن راشد"، الذي تكفل شخصيا بتزويد المرسى بخمسين سفينة جديدة، علاوة على فتح ورشة لصنع السفن واصلاحها بقرية "ترغة" وجلب العديد من العمال المهرة لها.
وهكذا اكتسب هذا المرسى شهرة جابت الأفاق حتى أنه أصبح محل تحالف استراتيجي بين المملكة الاسبانية والبرتغالية، من أجل احتوائه والتقليل من قوته الضاربة، والتي كانت تهدد مداخيل خزينة الحكومات الايبيرية،من امدادات الذهب والفضة المحملة على السفن القادمة، القارة الأمريكية والتي كانت تعرف بالعالم الجديد أنذاك.
إن مرسى "ترغة" لم يبني مجده البحري من فراغ فرغم اختلاف المصادر حول تسمية هذه الأنشطة القتالية البحرية التي كان يزاولها أبناؤه، هل تدخل في خانة الجهاد البحري؟ أو القرصنة ؟، فإن الشيء المؤكد، أن ملاحي "ترغة" أثبتوا درايتهم بفنون القتال فوق الأمواج، والمناورة في البحر ،كما أظهروا جرأة كبيرة في مواجهة أهوال الحروب وأخطارها، تحت قيادة رؤساء بحر متمرسين في ذلك العهد نذكر منهم : الرايس "أحمد القاعسراسي"، والرايس "عبد الصمد"، والرايس" احساين"، والرايس "عبد النور".