لا يمكن تفسير المبتغى الأساسي من الكتبة عن شفشاون/ الشاون إلا بسبب ندرة أو غياب المصادر التاريخية ولا بشح في الأرشيفات والمراجع المكتوبة. لا ينحصر الأمر هنا بالانشغال بالمعرفة التاريخية فحسب أو بقضية المراجع البيبلوغرافية أو المستندات… إذ أن المتاح من المصادر الوثائقية بخصوص هذا الموقع الجغرافي من التراب الوطني لا يعدو أن يكون سوى حكايات ذات طابع أسطوري وتاريخ غير مدون ومصادر شفاهية مبعثرة ومتباينة ودلالات متفاوتة القيمة. على ما يبدو، فإن ما دفع طه الريسوني، مؤلف هذا الكتاب عن “تاريخ شفشاون”، هي الرغبة في أن يحكي العاصمة الراشدية وأن يصفها بعناية دقيقة وأن يسرد وقائعها بتذوق العاشق للمدينة. يتم تقديم المدينة إلى القارئ عبر مقاطع سردية تحوي حكايات عن الحياة اليومية وكذا عبر حقب زمنية تتضمن تأريخ المدينة، منها ما يكتسي طابعا محليا أو وطنيا لعديد من الأحداث (كمثال على ذلك، إقدام السلطان على إرسال الورديغي إلى مصر من أجل تعلم فن الطباعة الفصل 8) وكذا دوليا (كما توضحه لنا الحكاية الغريبة لإنقاذ الجنرال أيزنهاور، الذي أجبرت طائرته على الهبوط بضواحي المدينةالمحتلة من قبل الجيش الفرنكاوي، حيث تمكن الجنرال من الانفلات من المنطقة الإسبانية بفضل رجل شفشاوني كافأته حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية لاحقا بمنحه الجنسية الأمريكية – الفصل 15). يستفيض المؤلف في وصف لقطات مختصرة، لكنها هادفة، كما يعدد زوايا المعاينة ويلجأ إلى تنويع المواضيع، التي من شأنها أن تساعد على استيعاب وفهم سر المدينة المقدسة كما سماها الإسبان. من جانب آخر، يبدو المؤلف متمكنا من أدواته التعبيرية وجديرا بجلب اهتمام القارئ حينما يلقي الأضواء على مختلف جوانب وأبعاد تاريخ المدينة التي تنتمي إليها عائلتها المستقرة بها منذ زهاء أربعة قرون والتي تناقلت عبر أجيالها رواياتها الشفاهية. علاوة على القلة التي يلتقطها التاريخ التقليدي، تطفح في هذا النص ثلمات تاريخية غير مستكشفة إما بسبب الجهل أو بسبب غياب الدلائل الضرورية، أو باعتبار أن هذا الموقع المنسي بين جبال شمال المملكة لا يتوفر على قوة جاذبة تغري عموم المؤرخين، هذا دون الحديث عن كون العديد من الصور النمطية والأحكام المسبقة عن المدينة، التي ترسخت عبر الأزمنة، تعتبر مسلمات لا تستدعي أية تساؤلات. يستعرض الكتاب كذلك تطور التسميات والتاريخ الديني علاوة على التصوف الشفشاوني وتولد الزوايا. يلقي التاريخ السياسي للمدينة، وإن لم يتطرق إليه بصورة مباشرة، بظلاله على صيرورة المدينة وعلى امتداداتها الترابية : موقعها بالنسبة ل “بلاد السيبة”، وظل الريسوني (1913-1920) وظل الخطابي (تحديدا أخوه الذي عسكر بمحاذاة منطقة أقشور 1924-1926) ودورهما اتباعا في الاحتلال المتأخر للمدينة المقدسة ثم الجلاء الإسباني عنها. كتاب “من تاريخ شفشاون” (الجزء الأول) للمؤلف طه بن فاروق الريسوني تصدير: عبد الله ساعف بريس تطوان/يتبع…