ارتأيت في هذا المقال الذي يهدف إلى تنوير ما يمكن تنويره، بخصوص قضية السطو العلمي التي اتهم بها الرئيس المكسيكي الحالي إنريكي بنيا نيتو Enrique Peña Nieto (1966) من قبل وسائل الإعلام المكسيكية التي قامت بتحقيقات دقيقة في الموضوع المتعلق بالانتحال أو السرقة العلمية بعبارة أوضح، من خلال مراجعة أطروحته التي نال بها درجة الدكتوراه في الحقوق تحت عنوان: "الرئاسية المكسيكية وألبارو أُبرغون" presidencialismo y Alvaro Obregón El عام 1991 البرسيدنثيالزمو عبارة عن نظام سياسي يتولى فيه رئيس الجمهورية نفسه رئاسة الوزراء من تأطير الدكتور إدواردو ألفونسو Eduardo Alfonso Guerrero Martinez (1947) المتخصص في القانون الدستوري والإداري وأستاذ سابق بجامعة Navarra باسبانيا(1976) من بين أعماله "الأخلاق وحقوق الإنسان" (2006)، فربما الباحث والمتهم في الآن نفسه لم يكلف نفسه مشقة البحث في أعمال أستاذه المشرف الذي يبدو من خلال عناوين أبحاثه، وخبرته في مجال القانون والحريات ملتزم أخلاقيا بقواعد البحث الأكاديمي، بل الأدهى من ذلك كيف راوغ الباحث أستاذه المشرف؟ وما الجدوى من طرح قضية الانتحال العلمي في هذا الوقت المتأخر؟ هل التمحيص في قضايا البحث العلمي في المكسيك طالت جميع البحوث في الجامعات؟ أم أنها استهدفت فقط بحث السيد الرئيس؟ فالإجابة عن هذه الإشكالات تقتضي منا استحضار معطيات دقيقة كي نتمكن من مقاربة ظاهرة السطو العلمي Plagio ليس فقط في المجتمع المكسيكي، وإنما هذه الظاهرة قديمة قدم التاريخ، كانت تحدث بين مختلف الحقول المعرفية على اعتبار أنها عيب، فعلى سبيل التمثيل وتحديدا في ألمانيا ضُبط وزير الدفاع Theodor Zu Guttenberg سنة 2012 منتحلا جزءا لا يستهان به وضمنه إلى أطروحته، فكان الحكم صارما في حقه حيث تم تجريده من اللقب العلمي مع الاستقالة من منصبه، ناهيك عن رئيس هنغاريا Pal Schmit الذي لقي نفس المصير، يفهم من هذا وذاك أن البحث العلمي يعيش نوع من الفوضى في مختلف الجامعات.
والخطير في الأمر هو أن مثل هذه القضايا تطرح للنقاش بعد فوات الأوان وهنا السؤال يطرح نفسه أين هو دور المشرف المواكب للبحث العلمي؟ وهل الصرامة العلمية وهبة لجة المناقشة مجرد بروتوكول؟ أم البحوث العلمية تُقرأ قراءة استسلامية؟ كل هذه الأسئلة الفرعية التي وردت بقوة في التحقيق الذي قامت به الصحفية كارمن أريستيغي Carmen Aristegui (1964) إلى جانب فريق بحث متخصص الذي تحرى أطروحة السيد Enrique Peña Nieto متهما إياه من خلال النتائج التي توصلوا إليها "بالسطو العلمي" حيث بلغت نسبته %29 أي انتحل حسب التحقيق قرابة 197 فقرة من أصل 682 فقرة حرفيا ضمنها لرسالته الجامعية في الحقوق التي ناقشها في جامعة Panamerica بالمكسيك عام 1991.
وهذا الانتحال حسب فريق البحث الذي قدم تقريرا مفصلا عن هذه المعضلة التي طالت إثنا عشر مُؤَلِّفا نذكر البعض منهم على سبيل التمثيل لا الحصر خورخيه كاربثو Jorge Carpizo، والمؤرخ أنريكي كروثي Enrique Krauze، وخوسيه ماريا كالدرون José Maria Calderon، وألبرطو مورليس خمنيثAlberto Morales Jiménez في موضوعه الذي أوسمه ب" رجال الثورة المكسيكية" (1985)، ميغيل دي لامادريد Miguel de la Madrid Hurtado(1934/2012) دكتور ورئيس سابق للدولة المكسيكية (1982/1988)، الذي اعتمد عليه كثيرا أثناء تحرير بحثه حسب التحقيق الذي مفاده أن هذا الأخير" انتحل ما يقارب 20 فقرة وضمنها لمتن رسالته" من دون أن يحيل على المصادر والمراجع التي اعتمدها في أطروحته أو يضع الفقرات المقتبسة من هذه الأعمال العلمية بين علامات التنصيص دلالةً على أن الكلام لغيره، عوض سطو على أفكار الآخرين، لأن هذا سيؤدي من دون شك إلى زعزعة منظومة البحث العلمي عامة، التي تنأى عن هذه الثغرات والتجاوزات غير المتماشية وحقوق الملكية الفكرية، والبحث الأكاديمي الرصين الذي يجبر كل باحث مقبل على إعداد رسالته العلمية أن يتحلى الصدق والأمانة أثناء استخلاص للمعلومات من متون الكتب، حفاظا على الأفكار المبتكرة والجديدة من قبل الباحثين الذين سبقوه، عن طريق الإحالة والتوثيق البيبليوغرافي إذا صح هذا التعبير الذي يضفي الشرعية العلمية على البحث، ويحتفظ بالأفكار لأصحابها، لا لتبرير الجريمة كما فعل الناطق الرسمي باسم الحكومة إدواردو سانشث Eduardo Sánchez حيث قال" بأن الخلل يكمن في الأسلوب، وما قام به السيد الرئيس ليس بسرقة علمية".
فماذا إذن يمكن أن نسميها في نظركم أيها القراء الكرام؟