يعتزم المغرب رسم حدوده البحرية على الشّريطين الأطلسي والمتوسّطي في خطوة تتوجّس منها الدّول المجاورة، خاصة إسبانيا فيما يتعلق بجزر الكناري، بينما تعتبر الرباط ذلك “مسألة سيادية محضة وقانونية”. وتأتي خطوات المملكة الحثيثة لرسْمِ حدودها البحريّة، خاصة على الشّريط الأطلسي، في وقتٍ تستعدّ فيه عدد من الدّول لفتحِ المعركة نفسها، خاصة وأنّ القانون الدّولي يتيحُ لأيّ دولة الحق في تحديد مستوى تواجدها التّرابي والمائي. كما تأتي هذه الخطوة في ظلّ حديث عن وجود ثروة معدنية هائلة تحت مياه المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، في منطقة استراتيجية تتصارعُ حولها قوى إقليمية ودولية. وترفضُ إسبانيا خطوة المغرب “الأحادية” في رسمِ حدوده قبالة الجزر المحتلة، وهو الموقف الذي عبر عنه الحزب الاشتراكي الحاكم، معتبرًا أن “ترسيم الحدود المائية المغربية المجاورة لجزر الكناري ولمدينتي سبتة ومليلية ينبغي أن يتمّ في إطار اتفاق مشترك”. وتتوفّر المملكة على أوراق ضغط عدّة يمكن استخدامها لإقناع الجار الشّمالي بأحقية قرارها الذي لا يتعارضُ مبدئياً مع مقرّرات القانون الدولي إلا في حالة وقوع تجاوزات “سيادية” تؤدي إلى اندلاع نزاعات، كما وقع مثلاً في البحر المتوسط لمّا نازعت إيطاليا ليبيا على “خليج سرت” الذي يقعُ أيضاً قبالة مالطا، وكما حدث أيضاً بين اليونان وتركيا حول بعض الجزر. اتفاق الصّيد: بيْن المغرب وإسبانيا اتفاق استراتيجي يتعلّق ببروتوكول الصّيد البحري الذي وقعته المملكة خلال يوليوز الماضي مع الاتحاد الأوروبي، والذي يسمحُ ل 128 سفينة أوروبية بالصّيد في مياه المغرب؛ منها 92 سفينة إسبانية معظمها من منطقة “قادس”. ووفق هذه الاتفاقية، تنشط سفن 11 بلداً، بينها إسبانيا وفرنسا وهولندا وليتوانيا، في “البحر المغربي”. ويشكّل قطاع الصّيد مصدراً هاماً لعيش عدد من الأسر الإسبانية، حيث تستقبلُ المياه المغربية أكثر من 90 قارباً للصيّد، وهو ما يجعلُ الدّخول في أيّ خطوة غير محسوبة مع المملكة بسبب “ترسيم الحدود” مغامرة حقيقية للإسبان الذين ثمّنوا حجم التعاون الاقتصادي مع المغاربة، خاصة في الجانب المتعلّق بالاتفاق البحري. وسبق للمملكة أن خاضتْ حرباً طويلة الأمد لتوقيع الاتفاق البحري مع الأوروبيين، وفي مقدمتهم الإسبان، بحيث أكدّت أنَّهَا لنْ تَقْبَل إبرَامَ أيَّ اتفاق دَوْلي يمسُّ بالسيادة الوطنية أو يستثني الأقاليم الجنوبية من كامل التراب الوطني، بما في ذلك اتفاق الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي. الهجرة السّرية: كما يتوفّر المغرب على ورقة “الهجرة السّرية” التي يمكن التّلويح بها في حال ما تعثّرت المفاوضات مع إسبانيا بخصوص ترسيم الحدود البحرية، خاصة وأنّ المملكة تلعب دوراً كبيرا في صدّ المهاجرين السّريين الذين يتوافدون على أرضها أملاً في بلوغ الجنوب الإسباني. وقد أظهرت التّجارب السّابقة كيف أنّ السلطات المغربية تعاملت بليونة مع مسألة التصدي لتدفقات المهاجرين غير النظاميين عندما قرّرت محكمة الاتحاد الأوروبي استثناء الصّحراء المغربية من اتفاق الصّيد البحري. وقد اعترفت الحكومة الإسبانية مؤخراً بأنّ التّعاون الجيد بين المغرب وإسبانيا في مجال محاربة الهجرة غير النظامية مكّن، بشكل ملحوظ، من تقليص عدد المهاجرين الذين يفلحون في بلوغ تراب مدينتي سبتة ومليلة؛ وذلك منذ سنة 2003. ومعروف أنّ الرباط أحبطت 76 ألف محاولة للهجرة السرية؛ كما تم إحباط 30 محاولة عنيفة استهدفت التسلل إلى المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية خلال العام الماضي. كما أنّ السلطات الأمنية المغربية فككت 147 شبكة إجرامية تنشط في مجال الهجرة غير الشرعية، علما أنه منذ سنة 2002 تم تفكيك أزيد من 4300 شبكة إجرامية في هذا المجال، بالإضافة إلى ترحيل أزيد من 36 ألف مهاجر غير شرعي منذ سنة 2004. التعاون العسكري: تطمحُ إسبانيا إلى أن تصير سوقاً مهمّاً للمغرب في مجال الأسلحة، ورغم أنّ مدريد تقرّ بأنّ هذا الطموح يصعبُ تحقيقه في ظلّ وجود اتفاقيات عسكرية “قارّة” مع فرنسا وأمريكا، اللتين تعتبران أهم مورد للأسلحة إلى المغرب، إلا أنّ ذلك لم يمنعها من الدّخول في هذه المغامرة من خلال بيع سفينتين عسكريتين إلى القوات البحرية المغربية بقيمة 260 مليون يورو. وتراهن إسبانيا على هذه الصفقة العسكرية الكبيرة التي يجري التفاوض بشأنها لأول مرة منذ ثلاثة عقود. ورغم أنّ عملية التفاوض حول الصفقة تتم في ظل الجدل القائم بين البلدين بخصوص ترسيم المغرب لحدوده في المياه الإقليمية، الذي يؤثر على جزر الكناري، فإنّ مدريد ستلجأ إلى كلّ الوسائل للوصول إلى صيغة توافقية ومقبولة لبيع السّلاح إلى الرباط.