“عش نهار تسمع خبار”… والخبر هنا هو منع محمد الأمين مشبال من مناقشة أطروحته لنيل الدكتوراه، وكانت مدرجة بتاريخ 27 دجنبر 2019 بكلية الآداب لتطوان. قيل أنه “تأجيل”، لكنه منع عملي تم بناء على “تعليمات عليا” (عدنا لأيام “التعليمات”، خبر سيء آخر). في البداية كان الفايس بوك، حيث أطلق أحدهم النار منطلقا من خطأ في الإعلان عن الدكتوراه الذي نسب انتماءها لوحدة الأدب العربي القديم. وهو خطأ لا يتحمل فيه مشبال، ولا لجنة الإشراف عن البحث أية مسؤولية فإعداد الإعلان يعود لمصالح العمادة. وأطروحة مشبال تندرج ضمن وحدة البلاغة وتحليل الخطاب، وعنوانها هو “بلاغة الخطاب السياسي السجالي عند عبد الإله بنكيران” . وما أن أنزل شيخ رأيه في الموضوع (وللأمين مشبال حكاية طويلة مع الشيوخ إذ سبق لأحدهم بتطوان وهو إمام جامع أن بعث به إلى النار وبئس القرار خلال خطبة الجمعة سنة 2003) حتى انهالت الانتقادات والسب والقذف. فمن قائل بأن بن كيران “يهترف” ولا بلاغة في خطابه، وهذا رأي يحتمل الصواب والخطأ كغيره من الآراء، لكن لا صلاحية له للحجر على الآراء الأخرى. ومنهم من قال بأن مشبال بهذه الأطروحة “السخيفة” سينال وظيفة يحرم منها أصحاب كفاءة، ومنهم من حكم على مشبال بالتزلف لبن كيران (وهي نكتة كبيرة لمن يعرف من هو مشبال)… هنا طبعا دخل الناس عن جهل في السب والقذف المجاني وهي خاصية يمنحها الفايس بوك لمن يختفي وراء الأسماء المستعارة ولغيرهم.. لم أطلع بعد على أطروحة الأمين مشبال، لكننا ناقشنا الموضوع مرارا بحكم صداقتنا وأعرف جيدا منطلقاته وكيف أن طريقه لن يلتقي مع طريق بن كيران أبد الدهر… فعنوان الأطروحة يقر بأن بن كيران لا “يخرف” بل ما يصدر عنه هو خطاب منسجم ومتكامل، وهو ليس خطابه وحده، بل خطاب قبيلته السياسية على امتداد العالم العربي والإسلامي. وهدف مشبال هو تفكيك آليات هذا الخطاب من فرضية أنه خطاب شعبوي يلعب على مشاعر موجودة لدى العامة لدغدغتها بغية تحقيق أهداف سياسية. فالمقصود بالبلاغة هنا ليس هو “جمالية” الخطاب و”فصاحته” وما قد يوحي هذا بالانبهار به، لكن تفكيك آليات الخطاب الكيراني وميكانزماته… هب أن هناك من هو منبهر ببن كيران وأراد إنجاز أطروحة حوله، ف”المداويخ” موجودون بيننا كما نعتهم هو بنفسه، أين المشكل إن احترم الطالب مجموع المقومات الأكاديمية المطلوبة؟ حرية التعبير لا تحدها سوى المضامين العنيفة أو تلك التي تدعو للكراهية… وللخائفين عن مناصب العمل التي قد تضيع منهم بسبب هذه الأطروحة فالأمين مشبال متقاعد منذ ثلاث سنوات وعوض أن يختار ارتياد المقاهي ولعب الضامة (وهذا من حق لاعبي الضامة وهي لعبة شيقة على كل حال ومجزية للوقت) أو السفر أو الاعتكاف أو التفرغ للعائلة أو ممارسة عمل ما (وهذا من حق الجميع)، ظل مشبال يمارس شغبا دائما شب ويشيب عليه، ألا وهو القراءة والكتابة وتعميق المعارف وهذه أمور عادية في السبعينيين والستينيين وحتى الخمسينيين من “السكة القديمة” أيام كانت المدرسة تعلم والعائلة ترى النور في التعلم… كما أن لمشبال خاصية أخرى لا يعرفها سوى “أولاد المركزي” ممن مروا من أحياء أليف وجيم ودال، ألا وهي خاصية التحدي. المرحوم عبد العلي اليزمي حرص على مناقشة الدكتوراه وهو يحتضر، وقد توفي أيام قليلة بعد ذلك، وأغلب الرفاق أكملوا دراساتهم العليا أو حاولوا وذلك أضعف الإيمان… فالموضوع عبارة عن تحدي لفترة الاعتقال ولما استتبعها من إجهاض لطموحات دراسية ومعرفية، ولا علاقة لهذا بوظيفة أو منصب… يبقى السؤال لماذا كل هذا الضجيج حول شخص بن كيران وما هو مصدره؟ فهل هناك من يخاف من اقتحام عوالم الفكر السياسي والإيديولوجي لبن كيران وإخوانه ليحول شخصه إلى ما يشبه المقدس؟ أم أن في الأمر “عداوة” سياسية بصدد تحويل بن كيران إلى شخص منبوذ؟ في هذه الحالة لماذا لا تعتقلوه يا ناس وتعيدوا فتح تزمامارت؟. علمت قبل قليل (عن موقع تيل كيل بالعربية) بأن عميد الكلية شرح بأن قرار التأجيل هو قرار اتخذته العمادة لتزامنه مع الامتحانات… مسكين، يأكلون الثوم بفمه! كيف وافقت سيادتكم على المناقشة سابقا وأنتم تعلمون أنها تصادف الامتحانات؟ ما يقع خطير بكل المقاييس ويلقي ظلالا كثيفة على أداء الحكومة الحالية ولا يبشر بأدنى خير ديمقراطي. “فين غاديين بنا هاذوا”؟.