الجزء الأول- في المسألة العرقية- تبتدئ حكايتي في نقد أطروحات الحركات الأمازيغية، في الصدمة التي انتابتني في خضم نقاشي حول الموضوع مع أحد المتعصبين للأطروحة الأمازيغية، عندما اكتشفت أنه لا يقرأ ولا يكتب ما يصطلح عليه بتيفيناغ، وكم كانت دهشتي عندما أيقنت أنه حتى متزعمي هذه الحركات لا يؤمنون بتاتا بأن المسألة الأمازيغية تشكل فعلا وحدة متكاملة من الثقافة والحضارة واللغة، يمكن الإعتماد عليها للدفاع عن وجود شعب يحمل عرقا متميزا. وهكذا فإن أساطير الحركات الأمازيغية التي لم تجد بعد أي سند شعبي، بقيت محصورة في صالونات بعض المتعصبين، وساندتها حركات جمعوية وإعلامية دولية تستثمر في التطرف والصراع والشتات، ترتكز أطروحاتها على خرافة تدعي أن المغرب خصوصا وشمال إفريقية عموما كان يسكنه شعب أمازيغي موحد وله لغة تواصل موحدة، إلى أن جاء الإستعمار العروبي عن طريق الفتح الإسلامي، ليقوم بتطهير عرقي لهذا الشعب، وتجريده من حقوقه ولغته، وطمس هويته، ومن ثم تبدأ هذه الحركات المتعصبة لأفكارها الخاطئة رحلة نضالها المزعوم من أجل إحياء حلم الكيان الأمازيغي الموؤود بلغته وهويته وثقافته، ونبذ كل ما يرمز للعروبة والعرب. لكن الحقائق العلمية والحفريات التي قادها الباحثون منذ زمن، قد أثبتت أن كل ما تدعيه هذه الحركات يبقى مجرد أساطير وخرافات تكاد تصل إلى حدود الدجل، ذلك أن العلم قد أثبت بأن الشعوب والحضارات التي تعاقبت على المغرب في فترة ما قبل التاريخ لم ترتيط بتاتا بعرق واحد وشعب موحد يمتلك ثقافة ولغة واحدة، على اعتبار اكتشاف آثار للحضارة الآشولية في نواحي الدارالبيضاء تعود ل 700.000 سنة قبل الميلاد، وهي حضارة لها ارتباط وتواجد بالقارة الأوروبية قبل 5.1 مليون سنة، كما تعاقبت على المغرب كذلك حضارات وأعراق مختلفة كالحضارة العاتيرية والإيبروموريزية التين يمتد أثرهما من المحيط الأطلسي إلى شمال الجزيرة العربية، وكذا من شواطئ البحر المتوسط إلى شمال التشاد. أما في مرحلة العصر الكلاسيكي فقد تعاقبت على المغرب وشمال إفريقية أعراق وحضارات متنوعة، تبتدئ بالفينيقيين وهم سكان الشام القدامى، مرورا بالبونيقيين الذين تعود أصولهم أيضا إلى شعوب لبنان وسورية، ثم الفترة الرومانية والعرق الروماني، وصولا إلى مرحلة الفتح الإسلامي وامتزاج العرق العربي بالأعراق المختلطة التي كانت مستقرة بالمغرب وشمال إفريقيا عموما. وهكذا فإنه من المحتوم علميا وتاريخيا، نظرا للإمتداد الجغرافي للمغرب المرتبط شمالا بأوروبا و جنوبا بإفريقيا جنوب الصحراء، وشرقا بالقبائل العربية، جعل منطقته منفتحه أمام كل هذه الثقافات والأعراق مما أصبح معه من المستحيل القول باحتكار المنطقة واستغلالها من طرف عرق خالص ولا شعب موحد ولا ثقافة واحدة، وإنما هي منطقة تحتوي على مزيج من الأعراق والحضارات المتعاقبة، امتزجت فيما بينها لتنتج عرقا واحدا ألا وهو العرق المغربي، الذي تختلط في جيناته كل هذه الأعراق المختلفة ذات الأصول المرتبطة بكافة حضارات وأعراق البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا، الأمر الذي يجعل من غير المقبول فكريا وعلميا تشبيه المسألة الأمازيغية بقضية الهنود بالقارة الأمريكية، أو مقارنتها بالقضية الكردية، على اعتبار أن هذه الشعوب كانت على مر التاريخ تحمل خصائص عرقية وجغرافية وثقافية مستقلة، إلى أن تعرضت لهجمة استعمارية استعملت العنف لمحاولة إبادتها والقضاء عليها، وهو الأمر الذي لم يثبت التاريخ حدوثه بالمغرب أو شمال إفريقيا. من هذا المنطلق العلمي، فإن محاولات الحركات الأمازيغية صناعة وهم يتمثل في الإعتماد على لهجات محلية متفرقة، بهدف محاولة صنع كيان موحد، هو أمر يناقضه العلم والواقع، ذلك أن كل واحدة من هذه المناطق تحمل لهجة تختلف عن الأخرى تمام الإختلاف، فاللهجة الريفية ليست هي اللهجة السوسية ولا هي اللهجة الأطلسية، كما أن الثقافات والعادات تختلف تمام الإختلاف بل وتناقض بعضها أحيانا، ولا يمكن إيجاد عامل مشترك بين كل هذه الثقافات إلا بإشراك اللهجة الدارجة التي يمكن اعتبارها خلاصة تطور العرق المغربي، الذي تمتزج فيه مجموعة متنوعة من الحضارات والأعراق. كما أن محاولات الحركات الأمازيغية الاعتماد على اللهجات المحلية التي تختلف عن اللهجة الدارجة، أو التركيز على مناطق جغرافية محددة، للإيهام بوجود عرق مختلف يملك الأرض والتاريخ، هو كذلك أكذوبة غذاها الفكر الإستعماري، على اعتبار بأنه من غير الممكن علميا أن يثبت مواطن بأن عرقه وجيناته لم تمتزج عبر تاريخ أجداده بعرق مختلف فينيقي كان أو روماني أو عربي، وهكذا فإن اللهجة المحلية لا يمكن أن تكون أساسا لتحديد عرق معين، على اعتبار أنه عامل يكتسب بفعل الزمن والإختلاط فكم من روماني أصبح يتحدث الريفية، وكم من عربي أصبح يتحدث السوسية. وهكذا فإن الحقيقة الساطعة التي لا يمكن نسيانها أو التغاضي عنها، بل ومن واجب الأمة المغربية ومؤسسات الدولة، الإستماتة في الدفاع من أجلها، والنضال في سبيل إبرازها والإعلاء من شأنها، هي أن الإنسان المغربي هو ذلك الكائن البشري الذي استقر بشمال إفريقيا، وكان نتاجا لأعراق مختلفة، وبالتالي فلا يملك أي مغربي الحق في التميز عن الآخر من منطلق عرقي يختلف عن العرق المغربي الجامع، لأن العلم قد أثبت أن جميعنا نحمل نفس الجينات ونعود لنفس الأصول، مع اختلاف طبيعي في اللهجات والثقافات الغير متصارعة، والمتعايشة جنبا إلى جنب، وقبيلة تجاور قبيلة. انتهى الجزئ الأول، ترقبوا الجزئ الثاني الذي سأتطرق فيه لمسألة أساطير اللغة الأمازيغية الموحدة، أو أكذوبة تيفيناغ. المحامي إسحاق شارية