هل تفكر الدولة في شبابها كما يفكرون فيها ؟؟ قد يحاول المرء أحيانا أن يعبر عن شيء ما في صدره فلا يُسْعِفُهُ البيان في التبيان، فيظل يحاول ويحاول، فتتأبى الكلمات، لكن إِبَاءَ النفس والرغبة الجامحة في التعبير تجعلان الكلام مَرْكَبًا ذَلُولاً، لا سيما إذا كان الصدق هو نَبْعُ الكَلِم . أقول هذا وأنا تتنازعني خواطر وتتلقفني أحاسيس، ومعلوم أن للإنسان مع الإحباط جولات نزال، يعتورها نصر وكسر، فعند غلبة المحبطات يبرز اليأس، وعند رؤية المحفزات تتضاءل خيبة الأمل ويختفي طيفها . ومن دون شك أن لا حديث أهم من الحديث عن الشباب حيث أنه ركيزة هذا الوطن وعماده بل وشريانه ونبضه، وإذا ما نظرنا إلى ما يتخبط فيه من مشاكل ووضعناها موضع التمحيص والتدقيق فإننا سنكون قد حققنا الغاية المرجوة التي تسير وفق الدفاع عن حقوق هذه الفئة لنبلغ سدة التنمية المنشودة. إن حديثي عن مشاكل الشباب لا يمكن أن أفصلها عن سياق الزحف ضد الجهل، ضد التخلف، ضد اليأس، خصوصا وأننا في بلدنا هذا نخوض معركة مادية واقتصادية تستلزم انخراط الجميع فيها وذلك نتيجة ارتفاع أرقام التزايد والتناسل وأرقام التوسع الاقتصادي وأرقاما أخرى تقيس الهوة الموجودة بين إنتاجنا واستهلاكنا، ومن هذا المنطلق أود أن أتوجه بالمذاكرة إلى جميع الشباب القارئ لأسطري من وجهة خاصة، وهي وجهة التفكير والمناقشة والمذاكرة. ماهي الأفكار التي يمكن في ذهن شاب أو شابة وصلا إلى طور الوعي ولم ينفذا إلى طور المسؤولية اليومية؟ هذا هو الطور الحقيقي الذي يمكن أن يكون فيه كل إنسان أمام تساؤلات وتشككات ابتداء من طور المراهقة إلى أن يبتدئ طور المسؤولية، إما في الأسرة وإما في الوظيفة أو أي شيء آخر. حقيقة يمكن أن نعتبر هذا السؤال عميقا جدا، وأنه بحر لا ساحل له، وأن جميع التساؤلات التي يمكن أن توضع في فكر وأفكار الشباب هو أنه ليس عندنا مشاكل متعددة حتى نغوص في بحر لجي، بل إن مشاكلنا محدودة ومعروفة ومن مسؤولية الدولة أن تكون على دراية بها وتحلها ولكن ليس هذا هو الحل، الحل بالنسبة لي هو أن ينخرط الجميع في مسلسل الحل، والحل كما أراه هو تحقيق التوازن كيف ذلك؟ في فترة ما من عمر المغرب أي بعد الاستقلال تقريبا أصبح هناك لفظ شائع وهو لفظ التثقيف، لكن تم إبعاد لفظ التربية، وهكذا قرأ الكثير، ولم يتربى الكثير، هذه هي النقطة الأولى أما النقطة الثانية فلم يتم تحديد فلسفة أو خطة التعليم حتى لا نترك آباء التلاميذ والمدرسين والتلاميذ أنفسهم في حيرة وفي تساؤل الحقيقة يجب أن نرجع إلى النقطة الأولى، أدخلنا التلاميذ إلى المدرسة، نسينا أن التعليم لا بد له من قاعدة أساسية هي التربية وهذه هي المعضلة الخطيرة والأخطر بالنسبة لي. إن الإجرام الذي اقترفته الدولة بخصوص الشباب هي أنها لم تفكر فيهم وخصوصا اللذين لهم شهادة الدروس الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية ولا أذكر هنا في هذا الباب الذين حصلوا على الشهادة الجامعية أو التكوين المهني أنا أتكلم عن الآخرين إن كانت الدولة تعتبرهم مواطنين ويبلغ عدده الآلاف ولم يجدوا أي عمل يعملونه بل لحد الآن لم أجد أو أقرأ أو اسمع أي خطة لإدماجهم في سوق الشغل وكأن المشكل الحقيقي في هذه الدولة هم الشباب الحاصل على شهادة جامعية أو شهادة التكوين المهني فهل تفكر الدولة في من لم يحصل على تلك الشواهد؟ وبالرجوع إلى مشكل التعليم وما يناط به من مشكل انفصام في التربية وفكرنا فيه بدقة فإنه سيسهل علينا أن نتكلم بكلام واحد وبمفردات موحدة. لقد كتب عدد من الناس عن مشاكل الشباب وتساؤلات الشباب وعلى أن كل شاب يبحث عن ضالته المنشودة، وكل شاب لا يبحث عن ضالة منشودة وليس له أمل وليست له مطامح فهو شاب بدون حيوية، ولكن هنا ينبغي لنا نحن أن نحدد له باتصال وباتفاق معه ماهي المطامح وماهي المشاكل التي ينبغي له أن يجد لها حلا؟ وماهي الملاحم التي ينبغي أن يخوضها ؟ إنني أعتقد أنه يمكن للعقل البشري أن يفكر في كل شيء، فواجب كل مغربي ومغربية أن يفكروا في كل شيء، ومن واجب الدولة أن تساعدهم من ناحية التفكير، لأنه حقيقة في المغرب الحياة الفكرية منعدمة، فلا محاضرات ولا كتب ولا صحف ولا ندوات لا أندية، فكلما اجتمع ثلاثة أو أربع أناس اجتمعوا إما ليقرؤوا كتبا أجنبية أو فلسفات أجنبية وواقعا أجنبيا لا ينطبق على واقعهم، ولكنهم يقرؤون ما ينشر في الخارج الذي يصلح تطبيقه على الخارج حتى يصبح شبابنا قانعا ومقتنعا بأن المرض الذي قرؤوا عنه في بلاد أجنبية هو مرضهم والحالة هذه أنهم يصبحون مرضى للوهم لا للحقيقة، فالواجب أن يتم إعداد تخطيط للاستهلاك الروحي كما الاستهلاك المادي والبدني وهذا من واجب الدولة على وجه الخصوص وواجب أهل الفكر.