إذا كان من الثابت أن رُبع النواب البرلمانيين المغاربة لا يتوفرون على شهادة الباكالوريا، فإنه من الثابت أيضا أن بعض البرلمانيين والفاعلين السياسيين انتفضوا ضد رفض الحكومة لتعديلات النواب بخصوص بعض بنود مشاريع أو مقترحات قوانين في إطار عملية تجويد النصوص، وملاءمتها مع دستور 2011، إذ اقترحوا إضافة شرط توفر المرشح للبرلمان بغرفتيه على مستوى تعليمي يؤهله لممارسة مهمته النيابية والتمثيلية أحسن تمثيل. وقد رفضت الحكومة هذه المقترحات البرلمانية الرامية إلى اعتماد الباكالوريا كشرط للترشح للانتخابات التشريعية، علما أن إضافة شرط التوفر على شهادة الباكالوريا للترشح كحد أدنى هدفه تجويد الأداء التشريعي للبرلمان المغربي، المطالب بالاستجابة لانتظارات الشعب. وهذا ما دأبت عليه الحكومة بخصوص رفض اشتراط المستوى التعليمي بخصوص قوانين تنظيمية أخرى متحججة أحيانا بكون اشتراط توفر المرشح على مستوى تعليمي معين يتناقض مع مبدأ المساواة بين جميع المغاربة في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وسيواجه القانون التنظيمي الذي يخضع لمراقبة المحكمة الدستورية لرده لعدم دستوريته لكون جميع المواطنين سواسية، وأحيانا يتحجج رؤساء الأحزاب بكون اشتراط توفر المرشح على شهادات عليا مفاده أننا نعاقب من لا يتوفر على هذه الشهادات بحرمانه من حقه في الترشح، وفِي هذا حيف لكون المجتمع عاقبه بعدم تعليمه، ويعاقبه المشرع عقابا ثانيا بفرض شرط الحصول على الباكالوريا أو دبلوم أعلى من هذه الشهادة.
ومن ثم، يبقى التصور الغالب ينتصر لفئة دائمة محترفة في المتاجرة في الانتخابات، تبذل المال وتتفنن في استمالة الناخبين بل وشراء الضمائر لذلك تمنح للمنتمين لها التزكيات مع العلم المسبق بالنتيجة المحسومة على الرغم من عدم توفرهم على شهادات أو كفاءات، علما أن عملية الصياغة والتشريع ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية وممارسة الدبلوماسية البرلمانية كلها أمور تتطلب مستوى معينا حتى لا يصبح البرلماني مجرد أداة للتأثيث أو دمى متحركة توجهها إرادات معينة تخلت عن دورها التأطيري والتكويني والانتقائي وإقصاء الكفاءات، بحجة عدم توفرها وعدم استعدادها لبذل المال من أجل الحصول على المقعد.
ويبقى الشرط الوحيد إن لم يتدخل الأقوياء من أصحاب الحل والعقد ولوبيات العائلات والقبائل هو منح التزكيات لماكينات انتخابية محترفة في ضمان الفوز المحسوم. وتكون النتيجة هي عدم تموقع البرلمان بشموخ وثقة في النفس مستمدة من دستور يقر للمؤسسة التشريعية سلطة برلمانية قوية تحتل مكانة مرموقة داخل المنظومة السياسية والمؤسساتية الوطنية باعتبارها المصدر الوحيد للتشريع، إضافة إلى اختصاصاتها في مجال المراقبة البرلمانية وتقييم السياسات العمومية، لا تقلع فعليا إلا بنخب مؤهلة وعمل سياسي ناجع.
وقد ركز صاحب الجلالة على ذلك في خطابه السامي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الثامنة بتاريخ 2011/10/14، إذ جاء في الخطاب ما يلي: “إننا حريصون على أن تعكس المؤسسات الجديدة روح ومنطوق الدستور، وأن تجسد طموحنا الجماعي في انبثاق هيئات نيابية وتنفيذية ناجعة، عمادها برلمان قوي معبر عن الإرادة الشعبية الحرة يمارس صلاحياته التشريعية الحصرية والرقابية الواسعة وينهض بدوره الفاعل في المجال الدبلوماسي خدمة للقضايا العادلة للأمة وفِي طليعتها قضية وحدتنا الترابية”.
ولعل التمادي في انتقاد المنتخبين غير المتوفرين على مؤهلات مع استمرار عدم فرض شروط الترشح؛ من بينها شرط التوفر على مستوى تعليمي معين، ليعتبر مجرد صرخة في واد تتعمد الأحزاب عدم سماعها وتتعمد الحكومة التي تتوفر على أغلبيتها البرلمانية عدم تمرير أي مقترح بشأنها وتبقى دار لقمان على حالها.