كم مضى من عمرها المديد ؟ صورة مأخوذة من المركبة الفضائية الروسية " Elektro-L" الحياة مكان وزمان. وقد عرفنا الدنيا مكانا حاضرا. وعرفناها زمانا قصيرا ماضيا بمقدار ما اتسعت له أعمارنا على هذه الأرض. وجاء العلم الحديث فعرفنا منه في أي زمن اكتمل خلق الأرض. أما غير ذلك من الزمان، فأعماق منه ذهبت بعيدة عنا أسميناها أزلا. وأعماق منه سيأتي بها المستقبل عميقة أيضا أسميناها أبدا. وبين الأزل والأبد ضلت عقولنا. وحارت الافهام. لا أحسب، أن من بين خلائق الله، مما عرفنا وما لم نعرف، خليقة يمتد وعيها إلى ماضي الزمان، فتحس بأنه وقت مضى وانقضى، ويمتد وعيها إلى مستقبل الزمان، فتحس أنه وقت يستقبل ويرتجى، كخليقة بني الناس. تلك الخليقة هي نحن. نحن بني آدم. معنى الزمان دائما حاضر لدينا قائم. تتعرف إلى الرجل فتدرك منه وجهه، وتدرك منه سماته.. وشيئا تدركه، عمدت إلى إدراكه أو لم تعمد: ذلك كم من الزمن قضى هذا الرجل في هذا الوجود.. أو بتعبير آخر كم عمره.. أو إن كانت امرأة، فكم عمرها.. والبيت يعرض عليك للشراء فتسأل كم عمره.. والسيارة تعرض عليك فتسأل كم عمرها.. وقد تسأل عما مضى من زمانها، وأنت إنما تطلب ما بقي من زمانها.. حتى رغيف الخبز يقدم لك، فتجسه وتحسه لتعلم متى خرج من فرنه. الزمن دائما حاضر لديك.. وهو أحضر لديك وأنت أمام المرآة. وهو أحضر عند المرأة وهي أمام المرآة منه عند الرجل. شيء واحد لا يسأل الإنسان عن عمره تلك هي الدنيا. النجم الثاقب، والكوكب السيار الدائب. والشمس المشرقة الغاربة، والقمر الهلال والبدر. والأرض. أرضنا هذه. كم يخطر لك، وكم من الناس يخطر على بالهم أن يسألوا عن هذه الأرض: شابة هي ؟ عجوز هي ؟ كم دامت ؟ وكم تدوم ؟ والسبب في إغفال الإنسان الأرض، أن يسأل عن أعمارها، إنه يحضر إليها عند ميلاده فيرى لها صورا، ثم يتركها وراءه في ختام حياته، عن صور لم تختلف عن تلك الصور الأولى كثيرا. لا أثر للزمن إذن في الأرض. إنها في حسه الدفين، أزلية، فلا أول لها، وهي، في حسه الدفين، أبدية، لا آخر لها. فلا معنى عنده إذن للسؤال عن عمر الأرض. ولكن، هل حقا إن صور الأرض لا تتغير ؟ إنها لا تتغير في حياة الإنسان لقصر هذه الحياة. عمر الإنسان بالنسبة لعمر الأرض نبضة. وعمر الدول بالنسبة لعمر الأرض دقيقة أو دقائق، فإن طالت، فهي قلما تصل إلى الساعة. ولم يعدم العلماء الحيلة التي يتحيلون بها على كشف الزمان. إن الأرض التي تتغير في سنين أو قرون لاشك تتغير على آلاف السنين وآلاف القرون. ونظروا في الأشياء التي جاز عليها في الأرض التغيير، وجاز بها التقدير. ووقعوا فيما وقعوا على مياه البحار. إنها لاشك بدأت مياها عذبة. ثم هبطت الأمطار على الأرض الصلبة، وجرت في أنهار وغير أنهار، وأذابت من أملاح الأرض ما أذابت، وصبت آخر الأمر في المحيطات والبحار. وكانت عذبة ثم أملحت. ثم ازدادت على السنين والقرون ملوحة. وقدروا كم هو ملح ماء البحار اليوم. وإذن قدروا كم من الزمن استغرقت البحار لتبلغ ملوحتها الحاضرة. طريقة تقريبية جدا. ومع هذا، فهي لا تدل على عمر الأرض، ولكن على عمر البحار، من يوم أن بدأت عذبة، إلى أن صار ملحها ما هو اليوم. وطريقة أخرى تتصل برواسب الأرض. والمعروف أن صخر الأرض إجمالا، هو صخران، صخر في سطح الأرض أعمق، هو الصخر الناري الذي انجمد من بعد أن كانت صهرته النيران. وصخر فوق هذا لم يكن موضعه الحالي هو موضعه الأصلي. إنه صخر تكون من رواسب. ويحتالون على حساب عمره بمثل ما احتالوا على حساب عمر البحار. كم متوسط ما يترسب في جهات من الأرض خاصة، في فترة من الزمن معينة، ثم كم ترسب من مثل ذلك في ماضي القرون. ومن هذين يحصلون على ما استغرقته هذه الرواسب من الزمن لتبني نفسها، وتكون. طريقة نصفها هكذا اختصارا في شيء من التقريب كثير. ومع هذا، فالناتج ليس عمر الأرض، وإنما هو عمر الرواسب. هذه هي الطبيعة في ضخامتها، وفي قسوتها، وفي بهائها. صنعت التعرية الطبيعية بالصخر ما تصنع يد الإنسان بالعمائر التي أقامها على سطح الأرض وطرائق أخرى، سلكوها سبيلا إلى معرفة الأعمار، إن لم تكن أعمار الأرض، فأعمار الصخر، ومن أعمار الصخر إلى أعمار الأرض خطوات ظنوها قريبة. إنها طريقة لم تكن تخطر لأحد في بال. إنها ظاهرة من تلك الظواهر العلمية التي تختبئ، ثم تظهر للعلماء فجأة. ثم إذا بها تستخدم في مجالات من المعرفة، بعيدة عن موطنها الأصلي، لم يكن في وسع أحد أن يتنبأ بها عند كشفها. إنها ظاهرة النشاط الإشعاعي الذي اختصت به بعض العناصر الكيماوية دون بعض. من أمثالها ذرة الأكسجين والنيتروجين (الآزوت) والصديوم والبوتسيوم والحديد والزنك والكلور واليود، والرديوم والثريوم واليورنيوم، وكلها ذرات عناصر كيماوية. وتتألف ذرة كل عنصر من العناصر الطبيعية التي زادت على التسعين من نواة، هي نواة الذرة، وهي تتألف من عدد معين من البروتونات Proton، وعدد من النيوترونات Neutrons. وحول النواة أفلاك تدور فيها جسيمات غاية في الصغر إذا نسبناها للبروتونات والنيوترونات، تسمى بالإلكترونات. ومن صفة البروتونات انها تساوي النيوترونات في الكتلة (الوزن) تقريبا. وإذن لزم في الذرة أن يكون عدد البروتونات، كعدد الإلكترونات، لكي تكون الذرة متعادلة كهربائيا. وهناك أمثلة للذرات الكيماوية: 1- ذرة الادروجين.2- ذرة غاز الهليوم.3- ذرة الكربون.4- ذرة النتروجين أو الآزوت.5- ذرة الأكسجين. وننتقل إلى أمثلة من العناصر الأثقل وزنا. فنجد ذرة الرصاص بها 82 بروتونا. ونجد ذرة الثريوم Thorium بها 90 بروتونا. ونجد ذرة اليورنيوم Uranium بها 92 بروتونا. وإذن فالعدد الذري لهذه الثلاث من الذرات هو 82، 90، 92. والخلاصة التي خرج بها العلماء في بحوثهم أن الغرام الواحد من اليورنيوم الذي وزنه الذري 238 يتحول في العام الواحد فيعطي من الرصاص ذي الوزن 206 مقدارا قدروه وحسبوه، فكان 0,014 من جزء من مائة مليون جزء من الغرام الواحد. ومن هذه النسبة استطاعوا أن يقدروا أعمار الصخور. هب أنهم وجدوا صخرا به 100 غرام من يورنيوم 238 وبه 7 غرامات من رصاص 206، إذن لحسبوا عمره بأن قسموا النسبة الحاضرة وهي 100/7 على 100.000.0000/0,014، فكان الناتج 500 مليون عام. أو هكذا هي طريقة الحساب إجمالا لا تفصيلا. وقد دلت هذه الطريقة على أن عمر أقدم الصخور هو 4.500 مليون عام. والحقيقة الخطيرة الكبرى في هذه الظاهرة، ظاهرة تصدع العناصر ذات النشاط الإشعاعي، كاليورنيوم واضرابه، أنها تجري بسرعة واحدة لا تختلف مقدارا في الزمن الواحد. ولا يؤثر فيها حرارة جو، ولا ضغط هواء، ولا رطوبة ماء. ولا جفاف. ولا شيء. فاليورنيوم مثله مثل ساعة طبيعية، تجري مع الزمان، وتغفل احداث الأرض، وما على الأرض من حركة ومن سكون. وسوف نقول إن الزمن الذي قدرناه هو عمر الصخر، لا عمر الأرض، وهذا صحيح. إننا افترضنا أن الصخور كانت منصهرة، ثم بردت وانجمدت. ولا نعرف كم استغرقت وهي منصهرة، وكم استغرقت ليتم انجمادها. كذلك افترضنا أن العناصر المشعة كاليورنيوم تبلورت عند انجمادها مع صخور الأرض، ومن تلك الساعة فقط بدأت تشع، وبدأت تنصدع، وبدأ اليورنيوم 238 مثلا ينبعث منه الهليوم والرصاص. وإذن فالزمن الذي استغرقه هذا التحول اليورنيومي، وقد ذكرنا أنه 4.500 مليون عام، ليس بعمر الأرض، وإنما هو عمر الصخر، من يوم أن انجمد إلى يومنا هذا. فعمر الأرض إذن هو أكثر من 4.500 مليون عام. أما ما قضته من زمانها وهي منصهرة فيقدره بعضهم بنحو 4.500 مليون من السنين أخرى. والله الموفق 03/05/2014 محمد الشودري