بقلم: محمد العربي المجدوبي ونحن صغار، كنا كلما هل هلال الشهر الفضيل، تغمرنا فرحة ما لها مثيل، إذ ينتابنا إحساس جميل، قبيل الآذان بقليل، عند سماع طلقة المدفع الثقيل، فنجري نحو بيوتنا لناكل بعض ثمار النخيل، و بعضا من الحلوى المحشوة باللوز وليس بشيء بديل، كما يحدث على أيامنا من خدع فيها بمساحيق التجميل. و نحن صغار، نستفيق على السماع والتهليل، و قبله على شيئ من التطبيل، و في الصباح نبدأ جلساتنا في الحي بما دبره الماكرون منا من حيل و أذى لصاحب الطبل من قبيل انفجار برميل، أو حفرة في ظلمة أو سلحفاة تحمل قنديل، أو شوك أو قشور موز على الارض كي يسقط الرجل بطبله و يميل، أو يردى قتيل. ونحن صغار، نلعب الكرة والورق و أشياء أخرى بالنهار، و لا نبالي أبدا للأسعار، فلم تكن رقاب الناس بعد بيد الزعيم المغوار، الذي يحب ركوب المرسيدس أو الجاكوار، بل كان الرخاء يعم كل الديار، والناس في أمن وإستقرار، ولم يقم احد بسبب فاقة بانتحار، بل الكل كان لرزقه كالطير في انتظار. ونحن صغار، بينما نمشي إلى المساجد عبر الأزقة، نتبادل التحايا بكل رقة، كما نسهر على عادات جميلة بكل دقة، كزيارة اقاربنا سواءا كانوا في كوخ أو شقة، وقتها كانت الناس تحب بعضها و الرحم كان أولى بالرفقة. و نحن صغار، كنا نجتمع على التلفاز، لننفجر من الضحك على عبد الرؤوف و بزيز و باز، والاستمتاع بالموسيقى سواء كانت طرب آلة او جاز، فلم نكن نفرق بين النوطة والنشاز، وأشياء أخرى من شاشة الإسبان أن ذكرتها لإعلامهم سأنحاز، فكان يكفي أن نقضي اليوم أمام التلفاز، ليكون يوما ممتاز. أما اليوم و بعد أن جرى بنا الزمن وصرنا كبار، وضاقت نفوس الناس من غلاء الأسعار، وأصبح الكل بالأسواق في تسكع و إنتشار، فظهر فينا الشمكار والشفار، أو عبيدا لمن يحمل الدرهم أو الدينار. فصار جلنا من الأشرار ،و بعضنا قاب قوسين من الكفار، لكن من المسؤول عن ما أصاب نفوسنا من عنف ودمار، ألم يعدوننا أن الغد سيكون أفضل و نحن كبار! وأن النجاح سيكون حليفنا باستمرار. لكننا عندما شعرنا بالإحتقار، وأننا على الفساد لن يكون لنا انتصار، إقتنعنا أن أفضل نضال في صالة الانتظار، أن نصمت و نصفق بحرارة لكل فاسد مكار.